تحطيب مستمر وقرارات بلا تنفيذ.. منبج في مرمى التصحر

الثورة – جهاد اصطيف:

في خطوة وصفت أنها ضرورية ومتأخرة في آن معاً، أصدرت إدارة منطقة منبج مؤخراً بلاغاً يقضي بمنع التحطيب أو جمع الحطب من الأحراج، إضافة إلى منع إشعال الحرائق أو رعي الحيوانات داخل الأراضي الحراجية، وذلك حماية للبيئة وصوناً للموارد الطبيعية، لكن القرار على أهميته فتح الباب واسعاً أمام نقاش مجتمعي وبيئي حول جدوى هذه الإجراءات، وحول قدرة السلطات والأهالي على التكاتف لإنقاذ الغطاء النباتي الذي يتعرض لضغوط متزايدة منذ سنوات.

إرث طبيعي مهدد

لطالما شكلت الأحراج المحيطة بمدينة منبج متنفساً طبيعياً ومورداً بيئياً للأهالي، إذ تمتد على مساحات واسعة من الريف الشرقي، وتتنوع أشجارها بين السنديان والصنوبر والبلوط وأصناف محلية أخرى، لكن هذا الإرث الطبيعي تعرض خلال السنوات الماضية إلى استنزاف ممنهج بفعل ثلاثة عوامل رئيسة:

أولها: التحطيب الجائر الذي ازداد بشكل ملحوظ بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، واعتماد كثير من الأسر على الحطب للتدفئة.

وثانيها: الحرائق، سواء المفتعلة أو الناتجة عن الإهمال الزراعي، والرعي غير المنضبط.

وثالثها: الرعي الجائر الذي قضى على كثير من الشتول الصغيرة، ومنع تجدد الغابات بشكل طبيعي.

المهندس الزراعي حسن عبد الغفور، يقول في حديث لصحيفة الثورة: الأحراج ليست مجرد أشجار للزينة أو التنزه، إنها منظومة بيئية متكاملة، تسهم في تثبيت التربة، ومنع الانجراف، وتلطيف المناخ المحلي، كما أنها مخزون أساسي للتنوع الحيوي، وفقدانها يعني ببساطة دفع المنطقة نحو التصحر.

البلاغ الأخير

 

لم يكن الأول من نوعه، لكنه جاء أكثر وضوحاً وحزماً من سابقاته، إذ تضمن التهديد اتخاذ إجراءات قانونية صارمة بحق المخالفين.

المحامي حسام حميدي أوضح أن القوانين السورية النافذة تفرض غرامات مالية كبيرة على كل من يثبت تورطه في قطع الأشجار أو إشعال الحرائق في الأراضي الحراجية، وقد تصل العقوبات إلى السجن في حال التسبب بأضرار واسعة.

ويضيف: لكن المشكلة تكمن في ضعف آليات المراقبة، وقلة عدد الضابطة الحراجية، ما يجعل تطبيق القانون أمراً صعباً على الأرض، لذلك نراهن على وعي الأهالي أكثر من الرهان على العقوبة وحدها.

بين الحاجة والوعي

عدد من أهالي ريف منبج بدت آراؤهم متباينة بين من يرى القرار خطوة ضرورية لحماية ما تبقى من الغابات، ومن اعتبره غير واقعي في ظل الظروف المعيشية القاسية.

“رائف. ح”، مزارع من المنطقة، يقول: نحن مع الحفاظ على الأحراج، لكن ماذا نفعل حين لا نجد ما نتدفأ به في الشتاء!؟ أسعار المازوت مرتفعة، والكهرباء قليلة، والحطب هو الخيار الأرخص رغم أنه ممنوع.

في المقابل، يرى “أبو أحمد”، وهو رب أسرة: صحيح أن الحطب أرخص نسبياً، لكننا ندرك أن قطع الأشجار جريمة بحق أولادنا، اليوم نحرق شجرة، وغداً نخسر المطر والخصوبة والهواء النقي.

هذه الازدواجية بين الحاجة الاقتصادية والوعي البيئي تجعل من القرار اختباراً حقيقياً لعلاقة المواطن بالموارد الطبيعية.

الحرائق.. الخطر الأكبر

إلى جانب التحطيب تمثل الحرائق الخطر الأكبر على الأحراج، سواء في منبج أم غيرها، فخلال الصيف الماضي، التهمت النيران مئات الهكتارات من الغابات بفعل مزيج من الإهمال والحرارة المرتفعة، لذلك يؤكد مركز الدفاع المدني، دائماً، على مكافحة الحرائق الحراجية، فهي مهمة شاقة للغاية، خاصة في ظل نقص التجهيزات وصعوبة وصول سيارات الإطفاء إلى بعض المناطق الوعرة، وأي شرارة صغيرة قد تتحول إلى كارثة خلال دقائق، لذلك كان قرار منع إشعال الحرائق داخل الأحراج خطوة في غاية الأهمية من قبل إدارة المنطقة، يجب أن يتبعها وضع خطة متكاملة لإعادة تأهيل الأراضي الحراجية المتضررة، تشمل زراعة الغراس الجديدة من الأصناف المحلية المقاومة للجفاف، وتنظيم حملات تشجير وتدريب فرق من المجتمع المحلي، كونه اللاعب الأساسي في إنجاح أي خطة معتمدة، لأن أي جهود حكومية تبقى ناقصة إذا لم يشارك المواطنون في حماية الغابة.

البحث عن بدائل

التحطيب، وإن كان ممنوعاً، لكنه ظل منتشراً لغياب البدائل.. يرى خبراء اقتصاديون أن الحل يكمن في توفير مصادر طاقة بديلة بأسعار مقبولة، مثل توسيع استخدام الطاقة الشمسية، أو توفير المحروقات بأسعار مدعومة للأسر الأكثر فقراً، فعندما يكون الحطب أرخص من أي بديل آخر، فلن يردع الناس قانون أو قرار، والمطلوب هو معادلة جديدة تحقق التوازن بين حماية البيئة وتلبية احتياجات الناس اليومية.

الباحث الاجتماعي حيدر السلامة يرى أن التعامل مع الغابة ليس مسألة بيئية فحسب، بل قضية ثقافة وسلوك، ويوضح أن الأطفال الذين ينشؤون على رؤية الأشجار كمصدر للحطب فقط، سيواصلون استنزافها جيلاً بعد جيل، بينما إذا تربوا على فكرة أن الغابة مورد عام وملك للأجيال، فسيتحولون إلى حماة لها.

ويضيف: نحتاج إلى إدماج التربية البيئية في المناهج الدراسية، وإلى ربط المواطن بالغابة كجزء من هويته وذاكرته، لا كخزان خشب مؤقت.

نحو وعي بيئي

يمكن القول: إن بلاغ إدارة منطقة منبج، رغم بساطته، يفتح الباب أمام تحول أوسع في نظرة المجتمع إلى البيئة، فالقرار وحده لا يكفي، ما لم يترجم إلى خطط بديلة، وحملات توعية، وتعاون وثيق بين السلطات والأهالي.

الطريق ما زال طويلاً، لكن الأصوات تتعالى اليوم أكثر من أي وقت مضى للدفاع عن الغابة بوصفها “الثروة الصامتة” التي إن فقدناها لن تعوضها أي ثروة أخرى.

فالأحراج ليست مجرد أشجار، إنها مظلة حياة كاملة، وحمايتها مسؤولية جماعية تتجاوز النصوص القانونية لتصل إلى ضمير كل فرد في منبج، من المزارع البسيط إلى صناع القرار.

آخر الأخبار
المستلزمات بالتقسيط وحسب الأولوية..  من نصف مليون إلى 700 ألف ليرة تكلفة الطالب من أرض الفلاح يبدأ التعافي السوريون يصنعون نموذجاً اقتصادياً جديداً بالصمود والتكافل المجتمعي محافظ إدلب يستقبل وزير الدفاع لبحث إزالة الألغام وتأمين عودة الأهالي ريف إدلب يتهيأ للعام الدراسي الجديد بحملات تأهيل ومتابعات ميدانية واسعة اتفاق سياسي أميركي - سوري: لإلغاء قانون قيصر وفق شروط محددة تحطيب مستمر وقرارات بلا تنفيذ.. منبج في مرمى التصحر العودة إلى المدارس.. غلاء ينهك الأهالي والتعليم يتحول إلى عبء "تقنيات التعلم الفعال".. تحصيل حياتي أفضل تشريعات الاغتصاب .. صرامة في النص تساهل في التطبيق ثلاثية بيضاء لميلان في الكالتشيو طرح الدوري الممتاز وكأس الجمهورية للبيع.. فمن يشتري؟ دمشق وواشنطن .. نحو بناء علاقات راسخة تحاكي المصالح المشتركة مزارعو الغاب بين قسوة الجفاف ونيران الحرائق  وقفة احتجاجية تطالب بإسقاط المرسوم 66 .. أصحاب الحقوق: أكبر جريمة نهب عقاري في تاريخ دمشق السياسة الخارجية السورية التفاعلية... نقطة على السطر الشيباني.. واختبار جدية التأثير الأميركي على "قسد" صفحة جديدة في مسار العلاقات السورية-الأميركية الزبداني .. تعيد النور إلى فصول مدارسها 30 مدرسة بريف دمشق تتحضر لاستقبال طلابها