الثورة – إيمان زرزور:
يقدّم الشعب السوري اليوم نموذجاً مغايراً لما اعتاد عليه العالم في أعقاب الحروب، فبعد أربعة عشر عاماً من الحرب، ينهض السوريون من تحت الركام مستندين إلى حاضنتهم المجتمعية، وإلى رجال أعمالهم ومستثمريهم وتجارهم، في مشهد يعكس عزيمة لا تنكسر وإرادة ترفض الارتهان للخارج أو تحميل الأجيال القادمة أثماناً باهظة.
حملة التبرعات الشعبية “ريفنا بستاهل” التي تجاوزت تبرعاتها حاجز 76 مليون دولار، ليست مجرد أرقام، بل شهادة على أن هناك شعباً عظيم الإرادة عصيّاً على الانكسار، يسعى لتأمين مستقبله بإمكاناته الذاتية، بعيداً عن قروض مشروطة أو وصاية اقتصادية.
ففي حين تلجأ دول خرجت من الحروب منهكة ومفلسة إلى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، تبدأ هناك رحلة القروض المشروطة: ضخ أموال باليد اليمنى، وفرض وصفات اقتصادية قاسية باليد اليسرى؛ رفع الدعم عن السلع الأساسية، تحرير أسعار الطاقة، زيادة الضرائب، وتجميد التوظيف والخدمات العامة، لينتهي الأمر باتساع رقعة الفقر وتراجع مستوى المعيشة، وتحوّل الدولة إلى تابع فاقد لقراره السيادي.
لكن الوقائع في سوريا تؤكد أن السوريين يكتبون تجربة فريدة في الصمود الاقتصادي والتكاتف الاجتماعي، بعيداً عن فخ القروض الدولية، وبإرادة داخلية تصنع استقلال القرار الوطني.
وشهدت سوريا خلال الأشهر الأخيرة بروز مبادرات أهلية واسعة النطاق ذات طابع إنساني وتنموي، تهدف إلى ترميم ما أفرزته سنوات الحرب من دمار في البنى التحتية والخدمات الأساسية، ومن أبرز هذه المبادرات حملة “أبشري حوران” في درعا، وحملة “أربعاء حمص”، و”دير العز” و”ريفنا يستاهل” و”الوفاء لإدلب” وحملات أخرى في عدة مناطق بعموم مناطق سوريا.
أظهرت هذه الحملات قدرة السوريين على استثمار التكافل الاجتماعي كوسيلة عملية للنهوض من الأزمات، بالاعتماد على التبرعات المستدامة من الأهالي والمغتربين، وعلى التعاون بين الأفراد والمؤسسات، بما يعزز من صمود المجتمعات المحلية في ظل محدودية الإمكانات الرسمية.
تبرز أهمية هذه الحملات في أنها لا تقتصر على جمع التبرعات أو إصلاح المرافق، بل تسهم في ترسيخ ثقافة المشاركة المجتمعية، وتؤكد أن السوريين قادرون على تجاوز المحنة عبر مبادرات محلية تتسم بالشفافية والتنظيم، وهي بذلك تُعد رافداً أساسياً للجهود الوطنية الرامية إلى إعادة بناء ما دمرته الحرب.