الثورة – فريال زهرة:
يتوجه اليوم أكثر من أربعة ملايين ونصف مليون طالب وطالبة إلى مقاعد الدراسة للعام الجديد، ويتطلب تجهيز طالب واحد بالحد الأدنى نصف راتب الموظف، والسؤال المطروح: كيف يتدبر الأهالي مصاريفهم وحاجاتهم الضرورية؟ أي أعباء مادية ومعنوية يتحملون وأي حلول أمامهم، وما حال الأسواق اليوم؟.
في جولة شملت أسواق دمشق وريفها.. حاولنا استطلاع آراء عينة ممن التقيناهم من طلاب وأهالٍ، وأصحاب محال، ومكتبات مدرسية، وحتى بسطات شعبية.
تغير النمط الاستهلاكي
تعمل هلا حديثة، خريجة الاقتصاد منذ سنوات في مكتبة مدرسية، وتشرح لنا الواقع وكيف تتغير أنماط التسوق عن الناس حسب الصعوبات المادية التي يعيشونها اليوم، وخصوصاً توقيت افتتاح المدارس الذي لم يكن مناسباً لقدرتهم الشرائية.. ليس في بداية الشهر والراتب (بدسمه)، كما يقال، وهو ما يجعل الصعوبة أكبر أمام عائلة لديها أكثر من ثلاثة أطفال في المدارس، وبالكاد يستطيع الأب تأمين بضعة دفاتر وأقلام، لكن المشكلة كما تراها الشابة ليست في القرطاسية تحديداً، بل بتجهيزات أخرى كالحقيبة، واللباس، والحذاء، والتي قد تصل إلى ٦٠٠ أو ٧٠٠ ألف ليرة لكل طالب، أما عن التسوق من أسبوع حتى اليوم، فتصفه بأنه قليل جداً عن الأعوام السابقة، رغم هبوط الأسعار بنحو ٣٠ إلى ٣٥ بالمئة وبشكل واضح.
وتضيف: حتى الأسعار تضاربت على أصحاب المحال والتجار أنفسهم بسبب تغير سعر الدولار خلال الأسبوع، فسعر الدفتر قبل، أو القلم كان عشرة آلاف واليوم ١٢ ألفاً، بسب ارتفاع الدولار، ولنفس كل التجهيزات بذات الطريقة في الارتفاع، فالتاجر دفع الرعبون بسعر ومضطر للبيع بسعر وهكذا.
لا تتحمل الورقيات نسبة كبيرة من الربح، والمصاريف- حسب حديثة- تكاد تكون بسيطة ومتقاربة في كل الأسواق، لكن استبدال الربح يكون بطرح تشكيلات واسعة من المتممات للقرطاسية والتي يحتاجها الطالب.
أما عن حال التسوق الحذر والخفيف حسب معاينتها اليومية فتعزوها لعدة أسباب، ضعف القدرة الشرائية والتوقيت الذي يتزامن مع موسم المونة وعلى عذر يطرحه الأهالي بقول (دعونا نرى طلبات المدارس هذه السنة) وعلى أمل عدم التشدد في اللباس المدرسي، والتساهل حتى قبض الراتب الثاني لاستكمال النواقص مثلاً، أو الاكتفاء بدفترين أو ثلاثة، وحسب مشاهداتها فإن طلاب الشهادات أقل تطلباً للتجهيزات فالطلب يقتصر على دفترين كبار وقلم، على عكس طلاب الابتدائي.
كثرة البضائع المعروضة، وتنوع جودتها لم تحل المشكلة باعتقادها في الحقيبة المدرسية التي وصل سعر الجيدة منها العام الفائت إلى ٦٠٠ ألف ليرة، وانخفضت حالياً إلى ٤٠٠ ألف لأنها عادة ما تحمل بوزن يفوق الأربعة كيلوغرامات للطالب، وأي خيار في شراء أنواع خفيفة بسعر أخف كثيراً سيجعلهم مجبرين على شراء بديل لها بعد شهر أو أكثر، وهي المستلزم الضروري اليوم للطالب
انخفض السعر وزاد العجز
تحاول سهير الحداد، مع ابنتها بطلة الجمباز هيفا الحلاق (في الصف الخامس)، من سكان جرمانا الوصول إلى حل وسطي بين الموديل والنوعية المطلوبة للحقيبة، مع ما هو مرصود كمبلغ مالي استدانته السيدة العاملة بأجر أسبوعي، وبإرباك تخبرنا أنها رصدت نصف مليون ليرة على الأقل لتجهيز ابنتها للمدرسة، وهو أقل مبلغ مطلوب، رغم انخفاض الأسعار عن العام الماضي، ومع ذلك ازداد العجز المالي أمام الأسر.
أما هيلين سليمان، وطفلتها جوا ريحانة، في الصف الثاني، من سكان قطنا بريف دمشق، فأوضحت أن راتب زوجها بالكاد يصل إلى ٩٠٠ ألف، واضطرت للاستدانة للشهر القادم لشراء المطلوبة بتكلفة تجاوزت ٥٠٠ ألف وسطياً من (لباس مدرسي، وجوارب، وحقيبة، وقرطاسية)، وبخجل تقول: الأطفال كل يوم يكبرون، وخصوصاً الولد الأول يحتاج كامل التغيير من الحذاء إلى ثياب الرياضة إلى البدلة الرسمية وغيرها، متمنية أن تكون هناك منحة مدرسية كل عام كما الأعياد للمساعدة في تلبية الاحتياجات، وخصوصاً للأسر التي لديها عدة أبناء، فالوضع أكثر من محرج وملبك أمام حاجات الأسرة.
أما جواد ناصر الطالب الجامعي العامل في إحدى المكتبات، فتوقع أن يمتد الموسم المدرسي شهراً آخر فضعف القدرة الشرائية دفع العديد من الأسر إلى الإحجام عن الشراء المعتاد، إذ الكثير من الأفراد رواتبهم يومية أو أسبوعية ويتم الشراء بتقسيط الحاجيات وليس كالسابق دفعة واحدة.
إقبال بسيط
يعمل خالد عبد الرزاق إبراهيم- من إدلب، مع خاله على بسطة (أمام محله) مخصصة للتجهيزات المدرسية، ويصف الإقبال على الشراء بالمتوسط- إن لم يكن ضعيفاً، مبيناً أن أكثر المبيعات العابرة كانت للدفاتر الصغيرة والأقلام، رغم التنوع وانخفاض الأسعار، وتوقع أن تزداد المبيعات لاحقاً مع بدء الدراسة وتحديد المطلوب وتأمين المصاريف.
الازدحام في أماكن التسوق لتجهيزات المدارس لم يرافقها قوة شراء، كما أوضح صفوان القباني- صاحب إحدى المكتبات القديمة، رغم توفر البضائع بكثرة، شارحاً الفروق عن السابق أن فاتورة الطالب وصلت إلى مليون ليرة وأكثر، أما اليوم فانخفضت إلى ٦٠٠ ألف ليرة، ومع ذلك نشهد ازدحاماً وأسئلة عن الأسعار من دون شراء.. فالعام السابق وصل سعر الدفتر إلى ٢١ ألف ليرة أما اليوم فسعره ١٤ ألفاً بنوعية جيدة، ويعزي الأسباب رغم التسهيلات الكبيرة للحكومة، والأسواق المفتوحة، وتحرير الأسواق بعد التحرير هبوط سعر الدولار عما كان، وتعدد أنواع البضائع إلى انعدام القدرة الشرائية للأسرة وهو ما يتطلب دعماً وتدخلاً للمساعدة على مستوى ما قد تكون منحة أو قروض بلا فوائد او مساعدات مدرسية أو ما شابه.
تسهيلات وصعوبات
ليس أقل تعقيداً المشهد على المستوى الحكومي وتحديداً لوزارة التربية، فبحسب تصريحات رسمية تعود لشهر حزيران وصل عدد الطلاب في مدارسها إلى ٤ ملايين و٢٠٠ ألف طالب، ماعدا الطلاب الجدد القادمين إلى المنظومة التعليمية، سواء كانوا من الخارج، أم مخيمات اللجوء إلى مناطقهم أو غيره، ستستقبلهم نحو ١٩٤٢٦ مدرسة بعد خروج ما يقارب ٧٨٤٩ مدرسة من المنظومة التعليمية كأبنية مدرسية بفعل التدمير الذي طالها من النظام البائد.
ورغم كل التحديات فقد استطاعت التربية إعادة ترميم وتأهيل ما يقارب ٥٠٠ مدرسة حتى اليوم في مناطق متفرقة، وتعمل بجهود حثيثة لتوجيه الأنظار إلى دعم القطاع التربوي وخصوصاً ترميم وإعادة المدارس المهدمة الى المنظومة التعليمية بأسرع وقت، وهي مهمة بالطبع إذ تحتاج إلى تكثيف الدعوة لإبرازها كأولوية الأولويات من الجميع، وخصوصاً أننا أمام تسرب برقم كبير ومخيف، وهو ما يقارب مليونين ونصف المليون طالب في الداخل والخارج.
وهو لاشك تحد كبير جداً للجميع- حكومة، وشعباً، ومهجرين في الداخل والخارج- على غرار قرارات التربية سابقاً.. لن تبخل الوزارة التي وجهت باستقبال كل طالب بالتسجيل في مدارسها (شرطياً وبلا أوراق) لن تبخل بحزمة تسهيلات كاللباس المدرسي أو غيره، كونها تحاول لململة الملفات ومعالجتها قدر الإمكان.