الثورة – فاديا هاشم:
يشهد الواقع الاجتماعي اليوم تحوّلاً عميقاً في نظرة الشباب إلى العمل والمهنة، فبعد أن كانت الوظيفة الثابتة، واللقب المهني جزءاً أساسياً من هوية الفرد ومكانته، برز جيل جديد يتنقل بين أعمال مؤقتة، ويعتمد على مصادر دخل متعددة، من دون أن يرتبط بمهنة واحدة تعرّف عنه أو تمنحه الاستقرار.في إطار ذلك التقت صحيفة الثورة الباحثة الاجتماعية الدكتورة أماني الحلو، موضحة أن هذا التحول لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة عوامل متشابكة، منها: التغيرات الاقتصادية، تقلص فرص العمل التقليدية، صعود التكنولوجيا والمنصات الرقمية، وانتشار أنماط العمل الحر.
كلها عناصر أسهمت في تشكيل واقع جديد، ومعها تراجع مفهوم “وظيفة العمر”، لتحل مكانه ثقافة المرونة، والتنقل بين أكثر من مجال.

غياب الهوية المهنية
وبينت د. الحلو أن غياب الهوية المهنية يطرح أبعاداً اجتماعية، فالأسر التي اعتادت على تعريف أبنائها بمهن محددة، كالمهندس، أو الطبيب، أو المعلم، تجد صعوبة في تقبّل فكرة “العامل المستقل” أو “الموظف المتنقّل”.وأشارت إلى أن الزواج والعلاقات الاجتماعية لم تعد بمعزل عن هذه التحولات، إذ بات غياب المهنة الواضحة يثير تساؤلات عن الاستقرار والأمان.
ومن جهة أخرى أوضحت أن هذه الظاهرة ليست بالضرورة سلبية، فهي تمنح الأفراد حرية أوسع في اكتشاف قدراتهم وتحويل مجالات مختلفة بعيداً عن الالتزام بوظيفة واحدة، كما أنها تعكس مرونة الجيل الجديد وقدرته على التكيف مع متغيرات السوق التي تشهد تغيراً متسارعاً.
ونوهت د. الحلو أن جيلاً بلا مهنة ليس مجرد عنوان عابر، بل تعبير عن مرحلة جديدة يعيشها المجتمع، إذ يتقاطع فيها ضعف سوق العمل التقليدي مع صعود ثقافة الاقتصاد الرقمي والعمل الحر، وبين من يراها أزمة هوية وضياع، ومن يعتبرها فرصة للتحرر، وإعادة تعريف الذات، تبقى هذه الظاهرة واحدة من أبرز الملامح التي سترسم صورة المستقبل القريب.