الثورة- منهل إبراهيم:
من المنطقي القول: إنه لا يمكن الحديث عن أي اتفاق أمني مع إسرائيل دون انسحابها من الأراضي التي توغلت فيها بعد سقوط النظام المخلوع في 8 كانون الأول 2024، وإن النقطة المهمة التي تركز عليها سوريا هي أن أي اتفاق أمني يجب أن يكون مرتكزاً على اتفاقية فض الاشتباك عام 1974، وأن أي تفاهمات جديدة يجب أن تضمن سيادة سوريا وسلامة أراضيها، وأن تضع حداً للتهديدات الإسرائيلية المتكررة. وتعمل واشنطن بدعم عربي وتشاور مع دمشق على المساعدة للتوصل إلى تفاهمات أمنية مع إسرائيل، هدف سوريا الأول والأخير فيها حفظ سيادتها ووحدة وسلامة أراضيها وتحقيق السلام، بعيداً عن الحروب والصراعات والأزمات.
لاشك أن المفاوضات لإنهاء العدوان الإسرائيلي على الأراضي السورية والتوصل لاتفاق أمني مع الاحتلال بوساطة أميركية، أمر ضروري في هذه المرحلة الراهنة والحساسة، لكنه لا يعني التطبيع مع إسرائيل، كما أكدت سوريا مراراً وتكراراً في مناسبات وتصريحات حول هذه النقطة.ما يهم سوريا في هذه المرحلة المفصلية هو الإعمار والتنمية وإعادة البناء، وليس الحروب والصراعات التي تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، وهذا ما تؤكد عليه القيادة السورية وتسعى نحو تحقيقه.
سوريا جادة في تحقيق الاستقرار والأمن على المستوى الداخلي، وفي عموم المنطقة، ومن هذا المنطلق تريد بلوغ تفاهمات أمنية مع الاحتلال الإسرائيلي تُجنّبُ المنطقة مزيداً من الفوضى والحروب، لكن لا يمكن بأي حال الرهان على مدى التزام إسرائيل بهذه التفاهمات على المدى القريب والبعيد. ويقول خبراء لشبكة الأخبار البريطانية “بي بي سي”: إن المقترح الأمني المطروح بين سوريا وإسرائيل ليس مجرد مبادرة سياسية، بل خطوة تعكس “توجهاً أمريكياً واضحاً” نحو إعادة صياغة العلاقات مع القيادة السورية الجديد. وأوضح الخبراء للشبكة البريطانية أن المخاطر على إسرائيل- في حال رفضت سوريا المقترح- ليست كبيرة، مضيفة أن “المشكلة ليست في الجانب السوري، بل في كيفية تعاطي إسرائيل، فسوريا بعد سنوات الحرب ليست في وارد خوض مواجهات عسكرية واسعة، بل على العكس، هي تبحث عن اتفاق يخدم مصالحها”.
وبشأن مستوى التوتر القائم، شددت “بي بي سي” على أنه لا يمكن وصفه بتوتر شامل، بل هو استمرار لعمليات إسرائيلية متفرقة، في إشارة إلى عمليات التوغل والانتهاكات الإسرائيلية المتزايدة على الأراضي السورية. وأشارت إلى أن هذه التطورات لا تعوق فرص التوصل إلى اتفاق، لأن الحكومة السورية نفسها تعلن حاجتها إلى تفاهم أمني مع إسرائيل، يوقف هذه الانتهاكات، ويعود بالوضع إلى ما كان عليه قبل سقوط نظام الأسد.
ورأت أن أي اتفاق يجب أن يعالج كل الملفات المرتبطة بالجنوب السوري، بما في ذلك الوضع في القنيطرة والسويداء، والتوغلات في تلك المناطق. وأضافت “بي بي سي” أن “الاتفاق يجب أن يكون شاملاً ليعالج جميع هذه القضايا، وهذا جوهره الحقيقي”، أما عن تأثير الاتفاق على الاستقرار الإقليمي، فأكدت أن “التوصل إليه سيمثل خطوة أساسية نحو تهدئة الأوضاع على طول الحدود وحتى داخل سوريا نفسها”، مشددة على أن “المحرك الأساسي لهذا المسار هو الإرادة الأميركية، فالولايات المتحدة اتخذت قراراً واضحاً بالتعامل مع الإدارة السورية الجديدة، وإسرائيل لا تستطيع الوقوف في وجه هذا القرار، بل ستضطر إلى التكيف معه”.
وفيما يتعلق بإمكانية فشل المحادثات أو تأجيلها، اعتبرت الشبكة البريطانية أن “المحادثات مستمرة، وقد يتأخر الاتفاق أسبوعاً أو أسبوعين، لكنه في النهاية أمر حتمي بدفع أميركي”، مشيرة إلى أن “الاتفاق الأمني المقترح يهدف بالأساس إلى احتواء الفوضى وتحويلها إلى عنصر استقرار بما يخدم مصالح جميع الأطراف في المنطقة”.