الثورة – عبد الحميد غانم:
تحت رعاية جامعة دمشق، نظمت كلية الاقتصاد- قسم الاقتصاد ومركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية، وبالتعاون مع وزارة المالية، ورشة عمل علمية متخصصة ناقشت مسودة قانون الإصلاح الضريبي في سوريا.

وأُقيمت الورشة، التي حضرها نخبة من الأكاديميين والخبراء الاقتصاديين ومسؤولين حكوميين، بهدف دراسة ومناقشة مشروع القانون الذي يهدف إلى إصلاح النظام الضريبي السوري، وذلك في إطار الجهود الرامية إلى تطوير التشريعات المالية، ودعم الاقتصاد الوطني من خلال نقاشات شفافة تصل إلى مقترحات تفيد صانع القرار.
ركزت النقاشات على تحليل بنود مسودة القانون، ودراسة آثارها الاقتصادية والاجتماعية المتوقعة، بالإضافة إلى تقييم مدى توافقها مع أفضل الممارسات الدولية في مجال الإصلاح الضريبي، وملاءمتها للواقع الاقتصادي السوري.
وأشار المشاركون إلى أهمية هذا القانون في تعزيز الشفافية وعدالة توزيع الأعباء الضريبية، وتحسين مناخ الاستثمار، وزيادة الإيرادات العامة للخزينة، بما يدعم برامج التنمية المستدامة.
وناقش الحضور التحديات المحتملة من تطبيق القانون، وطرحوا مجموعة من التوصيات والمقترحات البناءة التي تهدف إلى تعزيز فعالية النصوص القانونية وضمان تحقيق الأهداف المرجوة منها، مشددين على ضرورة أن يراعي القانون الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها سوريا، مع التأكيد على أهمية تبسيط الإجراءات وتخفيف الأعباء على القطاعات الإنتاجية والمواطنين.
يأتي عقد هذه الورشة في إطار حرص جامعة دمشق ووزارة المالية على إشراك الخبرات الأكاديمية والمتخصصة في عملية صناعة القرار، وبناء تشريعات متطورة تسهم في معالجة التحديات الاقتصادية.
ومن المتوقع أن تُرفع التوصيات والخروج بنتائج هذه الورشة إلى الجهات المعنية لدراستها والأخذ بها في الصيغة النهائية للقانون، الذي يُنتظر أن يشكل محطة مهمة في مسيرة الإصلاح المالي والاقتصادي في سوريا. 
خطوة نحو اقتصاد السوق
شدد عميد كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور علي كنعان، على الدور المحوري والاستراتيجي للضريبة في الحياة الاقتصادية كأداة لتحقيق العدالة وجذب الاستثمارات، مشيراً إلى أن مشروع القانون الضريبي الجديد يهدف إلى تغيير الفكر الاقتصادي القديم والانتقال نحو اقتصاد حر.
وأكد في الوقت ذاته، أن المشروع لا يزال بحاجة إلى مراجعات جوهرية، خاصة فيما يتعلق بشرط التصاعدية وشمولية الإعفاءات، ليكون قانوناً “جماعياً” عادلاً.
أوضح الدكتور كنعان، في معرض تصريحه لـ”الثورة”، أن النظام الضريبي ليس مجرد أداة لجمع الإيرادات، بل هو عصب الاقتصاد وأحد أدواته التوجيهية الفعالة، وأبرز أن الضريبة تؤدي ثلاث وظائف رئيسة، هي: جذب الاستثمار، إذ تعتبر عاملاً محفزاً للمستثمرين عند تصميمها بشكل يتسم بالمرونة والوضوح، إضاقة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال إعادة توزيع الثروة وتمويل الدولة للمشاريع الخدمية والاجتماعية التي تعود بالنفع على المواطنين.
وثالث تلك الوظائف بحسب كنعان، هي زيادة الحصيلة للخزينة العامة، ما يمكّن الدولة من تمويل خطط إعادة الإعمار والبناء ومشاريع التنمية.
ركيزتا جذب الاستثمار
شدد د. العدي على أن المستثمر، أياً كان موطنه، يبحث عن بيئة مستقرة وواضحة، وقال: “أهم ما يهم رجل الأعمال هو أن يعرف بالتحديد ما هي التزاماته المالية اليوم وغداً، دون مفاجآت أو تفسيرات فضفاضة للنصوص”.
وأضاف: إن عدم الوضوح في القوانين واللوائح يعد أكبر معوق للاستثمار، داعياً إلى تبسيط الإجراءات وتوحيد تفسيرات النصوص القانونية لتكون واحدة في جميع الفروع الضريبية.
وقدم رؤيته لملامح النظام الضريبي المنشود، والذي يجب أن يرتكز على الرقمنة، إذ يعتبر تعميم استخدام التكنولوجيا في تقديم الإقرارات والسداد لتقليل التعامل المباشر، ما يحد من الهدر والفساد ويسرع الإجراءات، فضلاً عن التأهيل المستمر للكادر الضريبي ليكون قادراً على فهم تعقيدات الأنشطة الاقتصادية الحديثة ويتعامل بمنطق الشريك الداعم وليس الرقيب المتشدد.
إضافة إلى حوكمة الإعفاءات، من خلال مراجعة شاملة لسياسة الإعفاءات الضريبية لتكون مستهدفة ومرتبطة بمعايير أداء واضحة تحفز على الانتاجية وزيادة الصادرات، وليس مجرد امتيازات.
وأكد أستاذ الاقتصاد في نهاية تصريحه على أن رحلة الإصلاح الضريبي طويلة وتتطلب إرادة سياسية حقيقية وحواراً وطنياً شاملاً يضم جميع الأطراف، من خبراء وقطاع خاص وممثلين عن الحكومة.
وأكد أن الثمرة ستكون اقتصاداً أكثر مرونة وقدرة على النمو، وقادراً على توفير حياة كريمة للمواطن السوري، معرباً عن تفاؤله الحذر بإمكانية تحقيق هذه الأهداف إذا ما توفرت النوايا الصادقة والتصميم على التغيير.
من “ثقافة الجباية” إلى “فلسفة التنمية”
طالب نائب رئيس غرفة تجارة دمشق غسان سكر، بتغيير جذري في الفلسفة الضريبية السائدة، محولاً إياها من أداة للجباية إلى محرك للتنمية الاقتصادية.
وشدد سكر، في تصريحه لـ”الثورة” الذي جاء من وجهة نظر المستثمرين، على أن استقطاب رأس المال يتطلب نظاماً ضريبياً مرناً وشفافاً وعادلاً، مشيراً إلى أن الفرص الاستثمارية في سوريا “غير موجودة في بلد آخر” ولكن البيئة التشريعية هي التي تحتاج إلى تطوير لاستغلالها.
وحدد جملة من المطالب الأساسية التي يرى أنها حجر الأساس لأي إصلاح ناجح، أبرزها: مراجعة دورية للقانون ومطالباً بعدم جمود النص القانوني، وأن تتم مراجعته بشكل دوري (مرة أو مرتين سنوياً) من قبل الوزير المختص لمواكبة التطورات الديناميكية للاقتصاد.
وشدد سكر على ضرورة قلب عبء الإثبات، إذ طالب بأن يكون “عبء الإثبات على من ادعى”، مؤكداً أن على مصلحة الضرائب تقديم الدليل على وجود مخالفة، وليس على المكلف إثبات براءته، ما يعيد التوازن للعلاقة بين الطرفين.
إنهاء “متاهات” التقاضي
توقف نائب رئيس الغرفة عند آليات فض المنازعات الضريبية، معتبراً إياها معضلة كبرى تعوق عمل المستثمر، وقدم حزمة من الحلول العملية من خلال التحكيم الخارجي، فقد دعا إلى أن تكون هيئة الاعتراض من “خبراء من برة” وليسوا موظفين في وزارة المالية، لتجنب وضعية “الخصم والحكم” ولضمان الحياد، مشيراً إلى أن 80 بالمئة من القضايا التجارية في العالم تحل عبر التحكيم، إلى جانب تقليص مدة التدقيق، معتبراً أن مهلة 4 سنوات للمراجعة طويلة جداً ومُعطلة، ومطالباً بتقليصها إلى 3 سنوات كحد أقصى لتمكين التاجر من إدارة أمواله بثقة.
وأشار سكر إلى أن من الحلول أيضاً استبدال دفع التأمين النقدي، إذ اقترح استبدال دفع تأمين الاعتراض (3 بالمئة) بـ”كفالة مصرفية” تحفظ حق الخزينة دون تجميد أموال التاجر وإيقاف عجلة استثماراته.
تعديل الغرامات
انتقد سكر بعض البنود التي اعتبرها مجحفة وغير منطقية، داعياً إلى تعديلها فوراً، ولاسيما إعفاء كامل للحد الأدنى، إذ هاجم فرض ضريبة على الرواتب التي لا تغطي نفقات الحياة الأساسية، وطالب بعدم فرض أي ضريبة على من يقل راتبه الشهري عن 800 دولار، واصفاً الأمر بأنه “لا عدل ولا منطقي”.
كما دعا إلى تعديل غرامات التأخير ومطالباً بخفضها لتكون بحد أقصى 3 بالمئة لتتوافق مع معدلات الفائدة السائدة في البنك المركزي، وليس 10 بالمئة كما هي مُقترحة، لتصبح منطقية وقابلة للتطبيق.
واختتم مداخلته بالتأكيد على أن هذه المطالب هي “أساسية” لخلق “حركية” اقتصادية حقيقية، وأكد أن تطبيق هذه المقترحات، من المراجعة الدورية للقانون إلى تبني فلسفة التحكيم ورفع الظلم عن ذوي الدخل المحدود، سينقل النظام الضريبي من كونه عقبة أمام الاستثمار إلى شريك حقيقي في التنمية، محولاً الفرص الاستثمارية الكامنة في سوريا إلى واقع ملموس يحقق أرباحاً جيدة للمستثمرين وينعش الاقتصاد الوطني.