الثورة – عبد الحميد غانم:
برزت حملات التبرع الشعبية كظاهرة لافتة، تجسّد روح التكافل والإرادة الجماعية للسوريين.
هذه الحملات.. بدأت كاستجابة عفوية لسد احتياجات إنسانية عاجلة، وتحولت تدريجياً إلى حركة اجتماعية واقتصادية واسعة، تحمل في طياتها بذور نهضة اقتصادية شاملة.
في هذا الإطار، يسلط الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي الضوء على الأبعاد العميقة لهذه الظاهرة ودورها المحوري في عملية التعافي الاقتصادي.
فقد أكد في حديث لصحيفة الثورة أن حملات التبرع الشعبية التي انتشرت في مختلف المحافظات السورية، تحولت من مجرد استجابة إنسانية عاجلة إلى ظاهرة اجتماعية واقتصادية عميقة، تحمل في طياتها بذور نهضة اقتصادية واجتماعية.
أساس الإعمار
ويقول الخبير قوشجي: لم تكن هذه الحملات مجرد جمع للأموال، بل كانت تعبيراً صادقاً عن متانة النسيج الاجتماعي السوري. لقد كسرت هذه الحملات حواجز العزلة والفردية، وأعادت إحياء قيمة “العونة” والتكافل التقليدي، لكن على نطاق أوسع ومنظم.
ويضيف: أصبح التبرع عملاً جماعياً يذوب فيه الفرد في مجتمعه، ما يخلق رأس مال اجتماعي قوي هو الأساس لأي عملية إعمار، لقد تجسدت الوطنية بشكل عملي ملموس من خلال العمل لمصلحة الأرض والإنسان السوري، متجاوزةً الشعارات إلى الفعل.
وكشف الخبير الاقتصادي عن وجود ثروة ادخارية كبيرة خارج القطاع المصرفي التقليدي، قائلاً: “كشفت الحملات عن وجود سيولة نقدية ومدخرات شخصية خارج القطاع المصرفي التقليدي، وهذه السيولة تشكل رصيداً قومياً يمكن تعبئته واستثماره في مشاريع منتجة بدلاً من بقائها راكدة أو توجه للاستهلاك فقط”.
وأشار إلى أهمية الإسراع في إعادة إعمار البنية التحتية، موضحاً أنه يسهم ترميم البنية التحتية من طرق وجسور ومدارس ومستشفيات بشكل مباشر في خفض تكاليف الإنتاج والنقل، ويحسن بيئة الأعمال، ويشجع على الاستثمار الخارجي والمحلي،وكلما تم إصلاح البنية التحتية أسرع تعافى الاقتصاد أسرع.
نموذج استثماري
ودعا الخبير الاقتصادي إلى تحويل نموذج جمع التبرعات إلى نموذج استثماري أكثر تطوراً، قائلاً: يمكن تحويل نموذج جمع التبرعات إلى نموذج استثماري أكثر تطوراً، ومن الممكن تأسيس صناديق استثمارية وطنية، يساهم فيها المواطنون برأس المال لتمويل شركات ومشاريع كبرى ذات عائد ربحي واجتماعي.
وأكد أهمية توجيه الأموال نحو المشاريع الإنتاجية، مشيراً إلى أن استثمار هذه الأموال في المشاريع الإنتاجية (الزراعة، الصناعة، الخدمات) سيزيد من الطلب على اليد العاملة ويحقق دخلاً جديداً لبعض الأسر، ما ينعش السوق المحلية ويدفع بدورة اقتصادية إيجابية.
وأوضح الخبير الاقتصادي أهمية عودة النازحين للمناطق الأصلية، قائلاً: إن تأمين مساكن لعودة النازحين والمهجرين لا يقدر بثمن، وعودتهم تعني إعادة إحياء الأراضي الزراعية المهملة، وإعادة فتح المحال التجارية والمشاغل، وهذا لا يستعيد كرامة الإنسان فحسب، بل يعيد تشغيل أهم عناصر الإنتاج: العمل، رأس المال، والأرض.
من العفوي إلى المؤسسي
ودعا الخبير قوشجي إلى الانتقال من العمل العفوي إلى العمل المؤسسي المنظم، مؤكداً أنه لتحويل هذه الطاقة التكافلية إلى محرك دائم للتنمية، لا بد من الانتقال من العمل العفوي إلى العمل المؤسسي المنظم، ويجب جمع هذه التبرعات في الصندوق الوطني وتحويلها إلى أسهم في صندوق استثماري يدار بطريقة احترافية.
وأكد على أهمية التعاون بين مختلف القطاعات، قائلاً: يجب أن تعمل جمعيات المجتمع الأهلي مع الحكومة لتحديد أولويات الإعمار، ومع رجال الأعمال لتوفير الخبرة الإدارية والفنية.
يجب أن يكون جزء كبير من التمويل موجهاً للمشاريع التي تولد دخلاً وفرص عمل.
واختتم الدكتور قوشجي حديثه بالقول: حملات التبرع في المحافظات السورية هي أكثر من مجرد ظاهرة إغاثية، إنها دليل على حيوية المجتمع السوري وإرادته في البقاء والتعافي، لافتاً إلى أن الاستثمار في هذا الرصيد الهائل من التكافل والوطنية هو الطريق الأمثل لتحقيق جدوى اقتصادية حقيقية.
وعليه.. تمثل حملات التبرع في سوريا نموذجاً ملهماً يجسد إرادة الشعب السوري وقدرته على تحويل التحديات إلى فرص للبناء والتعافي، هذه الحملات لم تقتصر على تقديم المساعدات الإغاثية فحسب، بل أصبحت نواة لمشروع تنموي متكامل، يعكس عمق التلاحم المجتمعي ويضع الأسس لاقتصاد وطني قائم على المشاركة والعدالة الاجتماعية.
وبتضافر الجهود وتبني منهجية مؤسسية واضحة، يمكن لهذه المبادرات أن تشكل قاطرة حقيقية لإعادة الإعمار والنهوض بالوطن نحو مستقبل أكثر ازدهاراً.