الثورة – تحقيق جهاد اصطيف:
اتخذت اللجنة الفرعية للنقل في حلب قراراً حاسماً يقضي بنقل مكاتب بيع السيارات غير المرخصة والعشوائية من الأحياء السكنية إلى منطقة الراموسة، التي جرى اعتمادها بشكل رسمي لتكون مركزاً مخصصاً لهذا النشاط التجاري الحيوي، في إطار الجهود المستمرة التي تبذلها محافظة حلب لإعادة تنظيم الحياة العامة داخل المدينة وتحقيق الانسيابية المرورية.
أبرز مسببات الفوضى

جاء قرار نقل مكاتب السيارات إلى الراموسة خلال اجتماع موسع ترأسه محافظ حلب المهندس عزام الغريب، بحضور معاون المحافظ لشؤون النقل المهندس عبد الحميد الخميس، وعدد من المعنيين بالقطاع الخدمي والمروري، وتم خلال اللقاء عرض خطة شاملة لمعالجة التجاوزات الحاصلة في قطاع النقل، ومن أبرزها إعادة تنظيم طريق النيرب القديم وإغلاق المحال غير المرخصة داخل المدينة، غير أن النقطة الأكثر بروزاً في الاجتماع كانت مسألة المكاتب العشوائية لبيع السيارات، والتي تحولت في الآونة الأخيرة إلى واحدة من أبرز مسببات الفوضى والازدحام، فقد شهدت مدينة حلب، على مدى الفترات الماضية انتشاراً واسعاً لمكاتب بيع السيارات بشكل غير منظم، ففي كثير من الأحياء السكنية، خاصة في مناطق الفيض، السريان، الفرقان، ومناطق أخرى قريبة من مركز المدينة، تحولت الشوارع إلى ما يشبه أسواقاً مفتوحة للسيارات. الأرصفة احتلت بالسيارات المعروضة للبيع، والطرقات ضاقت أمام حركة المواطنين، فيما واجه سكان الأحياء صعوبات متكررة في إيجاد أماكن لركن سياراتهم الخاصة، هذا إلى جانب الضجيج المستمر، والمشاحنات اليومية بين أصحاب المكاتب والسكان أو حتى الزبائن. يقول أبو أحمد- وهو أحد سكان حي الفيض: كنا نشعر وكأننا نعيش داخل معرض سيارات مفتوح، لا نستطيع المرور بسهولة أمام بيوتنا، الأطفال يضطرون للسير على الطريق بسبب احتلال الأرصفة، وهناك صعوبة في الوصول إلى بعض الأزقة. هذا المشهد العشوائي لم يقتصر على الإزعاج اليومي للسكان، بل انعكس أيضاً على حركة المرور العامة في المدينة، حيث أدت كثافة السيارات المصطفة للبيع إلى ازدحامات في بعض المحاور الرئيسة.
نحو تنظيم شامل
من هنا جاء الاجتماع الأخير الذي ترأسه المحافظ، والذي أكد فيه أن الفوضى لم تعد مقبولة، وأن الوقت قد حان لاتخاذ إجراءات عملية، ومن الواجب إعادة النظام إلى شوارع حلب، لأن انتشار مكاتب بيع السيارات وسط الأحياء السكنية يلحق ضرراً كبيرة بالحياة اليومية للمواطنين، ويتسبب بازدحام مروري وفوضى غير مبررة، مع التشديد على أن جميع الجهات المعنية ستتابع التنفيذ بدقة، وأن أي مكتب يخالف التعليمات سيخضع للإغلاق الفوري. قد يتساءل البعض عن أسباب اختيار منطقة الراموسة تحديداً، الجواب يرتبط بعدة عوامل، أهمها الموقع الجغرافي، إذ تقع الراموسة على أطراف المدينة الجنوبية، ما يجعلها منطقة مناسبة لتجميع النشاط التجاري المرتبط بالسيارات، بعيداً عن النسيج السكني، والمساحات المتوفرة، وتتميز الراموسة بوجود مساحات واسعة قادرة على استيعاب عدد كبير من المكاتب والمعارض، إضافة إلى إمكانية تنظيم حركة السيارات بشكل أفضل، فضلاً عن الطابع الصناعي والتجاري، فالمنطقة أصلاً معروفة بوجود الورش والمعامل والخدمات المتعلقة بالسيارات، ما يجعل وجود مكاتب البيع والشراء فيها تكاملياً مع طبيعة المكان، عدا عن سهولة الوصول لكونها عقدة مرورية مهمة تصل المدينة بالطريق الدولي، مما يسهل على القادمين من خارج حلب الوصول مباشرة إليها دون الحاجة للدخول إلى الأحياء الداخلية. القرار سابق الذكر، سيحول الراموسة إلى ما يشبه “سوق مركزية للسيارات”، إذ يمكن للمواطن الذي يرغب بشراء أو بيع سيارة أن يجد جميع الخيارات في مكان واحد، منظم وخاضع للرقابة.
تباين في الآراء
القرار أثار تبايناً في المواقف بين أصحاب المكاتب، بعضهم رحب بالفكرة باعتبارها تنظيماً ضرورياً، فيما أبدى آخرون قلقهم من خسارة زبائنهم المعتادين على زيارة مكاتبهم في قلب الأحياء. يوضح صاحب مكتب قديم في حي الصاخور، أنه من الناحية المبدئية ليس ضد التنظيم، بل نحن أول المتضررين من الفوضى، لكن نريد ضمانات أن المنطقة الجديدة في الراموسة ستكون مجهزة بخدمات مناسبة، من ماء وكهرباء وحراسة، وأن الوصول إليها سيكون سهلاً للزبائن. في المقابل، رأى أحد أصحاب المكاتب في حي الفرقان أن الخطوة تأخرت كثيراً، وأن هذا القرار كان يجب أن يتخذ منذ سنوات، إذ لا يمكن أن تبقى شوارع الأحياء أسواقاً للسيارات، والتنظيم سيخدمنا جميعاً، وسيجعل عملية البيع والشراء أكثر مهنية واحترافية.
بين الترحيب والتحفظ
العديد من سكان الأحياء المتضررة عبروا عن ارتياحهم للقرار، معتبرين أنه سينهي معاناتهم اليومية، وأكدوا أنهم أخيراً سيرتاحون من الفوضى، وبات بإمكانهم فتح شبابيك منازلهم بسبب الضجيج والازدحام المستمر.
في المقابل، أعرب بعض المواطنين عن قلقهم من احتمال أن يؤدي النقل إلى ارتفاع أسعار السيارات نتيجة الرسوم الجديدة أو تكاليف الانتقال، وهو ما أكده أحد الشباب الباحثين عن سيارة.. لا يمكن النظر إلى القرار على أنه مجرد ترحيل للمكاتب من مكان إلى آخر، بل هو خطوة اقتصادية وتنظيمية ذات أبعاد أوسع.
ويرى متابعون أن وجود سوق مركزية للسيارات سيشجع على التنافس بين المكاتب بشكل منظم، ما يخلق بيئة أكثر شفافية في عمليات البيع والشراء، كما يسهم في زيادة الإيرادات المحلية عبر تنظيم التراخيص والرسوم، ويخف الضغط عن الأحياء السكنية، ويحسن الحركة المرورية بشكل ملحوظ، خاصة في الأحياء التي كانت تعاني من اختناقات، لتعود للأحياء وظيفتها الأساسية كمكان للعيش والسكن، بعيداً عن الضوضاء والمظاهر التجارية غير المناسبة، وأن نقل المكاتب إلى مكان واحد يسهل على الجهات الرسمية مراقبة النشاط وضمان التزامه بالقوانين، كما يتيح إمكانية توفير خدمات خاصة بالسوق.
الرؤية المستقبلية

محافظة حلب أكدت أن هذه الخطوة ليست إلا بداية لمسار طويل يهدف إلى إعادة الحياة الطبيعية والمنظمة إلى المدينة بعد سنوات من التحديات، إذ يبقى نجاح القرار مرهوناً بمدى جدية التنفيذ والتزام جميع الأطراف به، من أصحاب المكاتب إلى الجهات الرسمية، لكن المؤكد أن إخراج مكاتب السيارات من قلب الأحياء السكنية ونقلها إلى الراموسة سيشكل خطوة مهمة نحو استعادة مدينة حلب لمظهرها الحضاري، وتحقيق التوازن بين متطلبات النشاط الاقتصادي وحقوق المواطنين في حياة هادئة ومنظمة.
وفيما يترقب الأهالي تطبيق القرار على أرض الواقع، يبدو أن حلب تخطو بثبات نحو إعادة رسم ملامحها العمرانية والخدمية بما يتناسب مع طموحات أبنائها وتاريخها العريق.