الثورة – تحقيق فادية مجد:
في وقت كانت فيه الوحدات الإرشادية الزراعية صلة وصل حيوية بين الفلاحين والخبرات الفنية، باتت اليوم شبه غائبة عن المشهد الزراعي، ما أدى إلى تفاقم المشكلات، وتراجع الإنتاج، وفقدان الثقة بها، بحسب شهادات مزارعين ومهندسين زراعيين من مناطق مختلفة في محافظة طرطوس.
في هذا التحقيق الصحفي نتابع واقع الوحدات الإرشادية والصعوبات التي تواجه عملها..
غياب كامل
يستذكر المزارع محمد يوسف من ريف الدريكيش، كيف كانت الوحدة الإرشادية قبل أربعين عاماً، تضع خطة أسبوعية معلنة، تشمل زيارات دورية من قبل مهندسين زراعيين، وأطباء بيطريين لحل المشكلات الميدانية، أما اليوم، فالمزارعون يضطرون لمعالجة مشكلاتهم على نفقتهم الخاصة، وسط غياب الدعم الفني والتشخيص الميداني.
المهندس الزراعي ناصر حسن، يرى أن الوحدات الإرشادية ينبغي أن تكون المسؤولة عن حماية الحراج وأملاك الدولة، ولكنها مع هذا، لا تملك صلاحيات تنظيم دوام الحراس الحراجيين أو الإشراف على عملهم.
ويضيف: التنسيق مع الضابطة الحراجية شبه معدوم، رغم أهميته لحماية الموارد الطبيعية، ولذلك أقترح إلزام عناصر الضابطة بزيارة الوحدة أسبوعياً، وتمثيلها في لجان الكشوف الزراعية والحراجية.
تفاقم المشكلات
من منطقة سهل عكار، يشير المهندس هيثم إسماعيل إلى تحولات كبيرة في الزراعة الساحلية، مثل إدخال النباتات الاستوائية وزراعة الفريز وتطعيم الخضار، وظهور أمراض جديدة كفيروس “توبامو”، لكن- حسب كلامه- مراكز البحث ووحدات الإرشاد لم تواكب هذه التحولات، ما جعل المهندسين غير مطلعين على أهم المستجدات، إذ إن زراعة الفريز لا تزال خارج نطاق مؤسسة إكثار البذار، ولم يخضع أي مهندس لدورات تدريبية في تطعيم الخضار، ما يفاقم مشكلات المشاتل ويضعف الإنتاجية.
المزارع حامد سليمان، من منطقة القدموس، بيّن أنه منذ سنوات بدأت الخدمات التي تقدمها الوحدات الإرشادية بالتقلص التدريجي، حتى أصبحت الآن في مرحلة الانعدام، حتى لقاحات الأمراض السارية تُنفّذ أحياناً بطريقة غير فعالة، والتلقيح يتم بإبرة واحدة لكامل القطيع، مشيراً إلى انعدام خدمات التلقيح الاصطناعي، ودراسة التربة، وتجارب الحقول الإرشادية، كما لم تعد الوحدات تمنح التراخيص الزراعية، ما أثّر على حصولنا على الأسمدة بالكميات المخططة.
ويختم بالقول: أقترح دمج بعض الوحدات واختصارها، وأطالب بتفعيل دورها بالمعدات واللقاحات، وتفعيل الكوادر ومحاسبتهم عند التقصير، كما يجب أن تمتلك الوحدات الإرشادية والعاملون فيها زمام المبادرة، وتؤدي دورها الميداني لا المكتبي فقط.
101 وحدة إرشادية
مدير زراعة طرطوس، المهندس حسن حماده، بيّن أن عدد الوحدات الإرشادية على مستوى المحافظة يبلغ 101 وحدة إرشادية، يضاف إليها 8 وحدات داعمة، تعمل جميعها وفق الخطة الزراعية المعتمدة.
وتؤدي الوحدات الإرشادية دوراً محورياً في دعم الفلاحين وتطوير القطاع الزراعي، وتشمل المهام التي تقوم بها التواصل المباشر مع الفلاحين من خلال تنفيذ مجموعة من الأعمال، هي القيام بأعمال التحري والمكافحة لجميع الآفات على جميع المحاصيل في قطاع كل وحدة، وتنفيذ البرامج الإرشادية الزراعية في مجال الموارد الطبيعية والبشرية باعتماد النهج التشاركي، مع اقتراح الخطة الإنتاجية الزراعية ومراقبة تنفيذها على مستوى الوحدة والقرى التابعة لها وتنفيذ التنظيم الزراعي ومنح تراخيص شهادات المنشأ للمحاصيل، وإقامة الحقول الإرشادية التدريبية، وإعداد السجلات الإحصائية الزراعية للقرى.
وأضاف حماده: جميع الوحدات الإرشادية تقوم بعملها بالشكل المطلوب منها وفق الخطة المقترحة، وتتوفر لديها أغلب المواد والأدوات اللوجستية اللازمة لتنفيذ الأعمال المطلوبة، من أدوات حقلية ولوازم العمل، وأجهزة كمبيوتر وعرض، بالإضافة إلى الدراجات النارية الحقلية اللازمة للعمل.
وأشار إلى أنه في حال دعت الحاجة لاستخدام السيارات الحقلية، يتم تأمينها عن طريق دائرة زراعة المنطقة أو مديرية الزراعة بشكل مباشر، مؤكداً سعي مديرية الزراعة إلى زيادة عدد الآليات اللازمة لتنفيذ العمل الزراعي، لأن الآليات المتوفرة بحاجة إلى صيانة دورية.
الروزنامة المعتمدة
وفيما يخص الخطة الزراعية، أوضح حماده أنها مستمرة ولم تتوقف، وهي جزء لا يتجزأ من الخطة الزراعية الشهرية المقترحة والمعدة من قبل الوزارة، وفق الروزنامة الزراعية المعتمدة التي أشرف على إعدادها باحثون مختصون في كل مجال بشقيه الحيواني والزراعي، مبيناً أن الخطة تُنفذ وفق برنامج زمني محدد ومدروس من قبل المرشدين الزراعيين القائمين على العمل في الوحدات الإرشادية والوحدات الداعمة، كما أن الوحدة الإرشادية هي نواة العمل الزراعي، ويمكن أن نقول عنها إنها المركز الزراعي الصحي للنبات والحيوان، مبيناً أن الخطة الأسبوعية أو الشهرية تتجسد وتنفذ من خلال الندوات الزراعية
والحيوانية، والبيانات العملية، والزيارات الحقلية لبساتين المزارعين والفلاحين في حقولهم، حيث يتم إرشادهم وتقديم النصيحة الإرشادية لهم من خلال تشخيص الحالة.
التحديات اللوجستية
كما أشار حماده إلى أن الأطباء البيطريين يعملون على مدار الساعة من خلال الكشف المبكر عن الأمراض الصحية لدى الحيوانات وتقديم اللقاحات اللازمة في حينها.
واعترف بأنه كان هناك بعض الشوائب خلال العمل، وخصوصاً من حيث الزمن، وأرجع ذلك إلى عدم توفر أسطول النقل اللازم لمتابعة العمل الزراعي، وقلة عدد الدراجات النارية التي تخدم العمل الزراعي، وغلاء المحروقات.
وفيما يتعلق بالتحديات، أفاد حماده بأن هناك صعوبات عدة، ولكن بالعمل والجد والمثابرة لا شيء مستحيل، لذلك نسعى دائماً لتطوير ودعم الوحدات الإرشادية، وخاصة لجهة دعم وتوفر أجهزة الكمبيوتر المتطورة وملحقاتها في الوحدات الإرشادية، وإعادة تأهيل هذا الأسطول من الأجهزة، لأن المرحلة الحالية تتطلب منا جهداً مضاعفاً، مؤكداً السعي لتوفير مستلزمات العمل الزراعي بكل أشكاله، وذلك بهدف تأمين المنتج الزراعي في السوق المحلية، كما نعمل على تأمين عدد إضافي من الدراجات النارية التي تخدم العمل الزراعي، بالإضافة إلى عدد إضافي آخر من الآليات.
خلق مناخ للثقة
وأكد حماده أن مديرية زراعة طرطوس تعمل دائماً وأبداً على توفير مناخ الثقة بين الفلاحين والوحدات الإرشادية، لأن الفلاح هو البوصلة الحقيقية للعمل الزراعي، وعندما يكون الفلاح بخير فإن الزراعة بخير.
وبخصوص إعادة توزيع الوحدات الإرشادية بناءً على التوزع الزراعي، أوضح أن هناك مقترحاً من الوزارة بهذا الخصوص، وتم التريث حاليا في تنفيذه.
وختم حماده حديثه بالإشارة إلى أن وزارة الزراعة عملت وما زالت تواصل تطوير عملها بشكل دؤوب على تقديم أفضل الخدمات الزراعية للمزارعين، من خلال توفر المنصة الإلكترونية الخاصة بمديرية الإرشاد الزراعي على موقع الوزارة، إذ إن جميع الخدمات متوفرة من خلال الدخول على الرابط الإلكتروني، ولكل سؤال جواب من خلال الروزنامة الزراعية المتوفرة على هذه المنصة.