نقابة المهندسين واستحقاق الإعمار..نحو دور وطني مستقل في بناء سوريا

الثورة – لينا شلهوب:

مع دخول سوريا مرحلة ما بعد الحرب، تتجه الأنظار نحو المؤسسات القادرة على قيادة مسيرة إعادة الإعمار، وفي مقدمتها نقابة المهندسين التي تضم نخبة واسعة من الخبرات المتخصصة في مختلف المجالات الهندسية، هذه المؤسسة التي عانت لعقود من التهميش والهيمنة السياسية، وينتظر منها أن تتحول إلى رافعة وطنية قادرة على المساهمة في رسم ملامح سوريا الجديدة، من خلال الخبرة الفنية، و وضع المعايير، وتأهيل الكوادر، وضمان جودة المشاريع.

أدوار محورية

نائب رئيس لجنة العمارة في نقابة مهندسي ريف دمشق أمين صعب في حديثه لـ”الثورة” يرى أن وظيفة النقابة لا تقتصر على كونها كياناً مهنياً يجمع المهندسين، بل هي ذراع أساسي في عملية الإعمار الوطنية، ويمكن تحديد أبرز أدوارها المنتظرة عبر الإشراف الفني والمراقبة، وستكون نقابة المهندسين مطالبة بوضع معايير ومواصفات هندسية دقيقة للمشاريع الوطنية الكبرى، مثل إعادة بناء المدن، وإصلاح شبكات الطرق، وترميم المدارس والمستشفيات والمرافق العامة.

ولفت إلى أن هذه المهمة تتطلب التزاماً بالممارسات العالمية في الجودة والاستدامة، بعيداً عن العقلية التقليدية التي أدت في الماضي إلى إهمال الجودة وتفاقم الأزمات، إضافة إلى الاستشارات المهنية.

وأضاف صعب: إن النقابة مؤهلة لتقديم استشارات فنية للقطاعين العام والخاص، سواء في مشاريع البنية التحتية الكبرى أم في إعادة تأهيل الأبنية السكنية والخدمية، كما تستطيع طرح حلول مبتكرة لمشكلات حيوية مثل شبكات المياه والكهرباء والطرقات، وهي ملفات أساسية لإعادة الحياة إلى المجتمعات المحلية، علاوة على التدريب والتطوير، إذ إن إحدى التحديات الكبرى بعد سنوات الحرب تتمثل في ضعف التأهيل المهني للمهندسين.

وبين أنه هنا يأتي دور النقابة في تنظيم برامج تدريبية، وورش عمل حديثة، تمكّن أعضائها من مواكبة التطورات التقنية العالمية في مجالات التصميم والتنفيذ والطاقة المستدامة، كما أشار إلى دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، فإعادة الإعمار ليست فقط مشاريع ضخمة بيد الدولة، بل أيضاً مبادرات محلية يقودها القطاع الخاص، ويمكن للنقابة أن تدعم هذه المشاريع عبر الاستشارات والدعم الفني، ما يسهم في تحفيز الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة.

عقود من التهميش

لم يكن الطريق ممهداً أمام النقابات في سوريا خلال العقود الماضية- كما يقول صعب، ففي ثمانينات القرن الماضي جرى حل النقابات المستقلة ودمجها في مؤسسات الدولة لتصبح أدوات في خدمة النظام البائد، وفي ذلك فقدت نقابة المهندسين استقلاليتها وقدرتها على الدفاع عن مصالح أعضائها أو التأثير في القرارات الوطنية، ومع وصول الرئيس المخلوع إلى السلطة، استمر التهميش- وإن بصور مختلفة، فقد كانت القيادات النقابية تعيَّن، أو توجَّه بشكل مباشر من الحكومة، ما جعل النقابة مجرد جهاز بيروقراطي منزوع الفاعلية، وفي ذلك غاب صوت المهندسين كقوة مهنية واجتماعية، وتحوّل دور النقابة إلى تنفيذ سياسات الدولة بدلاً من مراقبتها أو تطويرها.

وبين أنه ومع الحديث عن سوريا ما بعد التحرير، تبرز حاجة ملحّة لاستعادة استقلالية النقابات، لتكون مؤسسات مدنية حقيقية تمثل مصالح أعضائها، وتسهم في صياغة السياسات العامة بعيداً عن الوصاية السياسية، ولتحقيق هذه الرؤية، لا بد من العمل على جملة خطوات عملية، أبرزها إعادة الهيكلة، من خلال تأسيس نظام داخلي ديمقراطي يسمح للمهندسين بانتخاب قياداتهم بحرية بعيداً عن أي تدخل، وهذا يتطلب تعديلاً قانونياً وتشريعياً يضمن استقلال النقابات ويعيد إليها دورها كمؤسسات مجتمع مدني، مع تعزيز التخصصات الهندسية، إذ يجب أن تركّز النقابة على التخصصات الأكثر ارتباطاً بمرحلة الإعمار مثل الهندسة المدنية والمعمارية والميكانيكية، إضافة إلى تقنيات البناء المستدام والطاقة المتجددة، وكذلك التعاون الدولي.

فمن المهم- كما يقول صعب، أن تنفتح النقابة على التجارب العالمية عبر التنسيق مع اتحادات مهنية دولية كالاتحاد الدولي للمهندسين المعماريين أو المقاولين، لجلب الخبرات والتقنيات الحديثة التي تعزز جودة الإعمار في سوريا.

حجر الزاوية في الاستقلالية

وأشار صعب إلى أنه لا يمكن تصور نقابة قوية وفاعلة من دون انتخابات حرة ونزيهة، فالانتخابات تمثل مدخلاً أساسياً لشرعنة القيادات النقابية وضمان كفاءتها وارتباطها بمصالح الأعضاء، ويتحقق ذلك عبر انتخاب قيادات جديدة، تتيح للمهندسين اختيار ممثلين يمتلكون الخبرة والقدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية تصب في مصلحة الوطن، مع العمل على استعادة ثقة المهندسين عبر انتخابات حقيقية تعيد الثقة المفقودة بين النقابة وأعضائها بعد سنوات من الإقصاء والتهميش، بالإضافة إلى تعزيز الشفافية والمساءلة، فالنقابة المنتخبة ديمقراطياً ستكون أكثر قدرة على مكافحة الفساد وضمان نزاهة القرارات.

ولفت إلى أن نقابة المهندسين مطالبة اليوم أن تعود إلى دورها الطبيعي كمنصة مهنية مستقلة، تشرف على جودة المشاريع، وتؤهل الكوادر، وتضع المعايير الوطنية للبناء والإعمار، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا عبر استعادة استقلاليتها وإجراء انتخابات ديمقراطية تضمن تمثيل المهندسين بعيداً عن أي وصاية سياسية، فإعادة إعمار سوريا ليست مجرد عملية هندسية أو اقتصادية، بل هي مشروع وطني جامع، لا يكتمل إلا بوجود نقابات مهنية حرة وقوية، ونقابة المهندسين بما تملكه من خبرات وطاقات، قادرة أن تكون في طليعة هذه العملية إذا ما استردت استقلاليتها، وعادت لتكون صوت المهندسين الحقيقي، وحارساً لمستقبل العمران في سوريا.

آخر الأخبار
طرطوس تحتفل باليوم العالمي للسياحة بماراثون رياضي وعروض بحرية مبهرة   "التعليم العالي": التوجه نحو جامعة سورية حديثة "مغسلة" تكشف المستور.. والرقابة تتدخل نقابة المهندسين واستحقاق الإعمار..نحو دور وطني مستقل في بناء سوريا كيف تتحول الاحتفالات إلى استعراض ونزيف للموارد؟ رغم توفرها.. ارتفاع أسعار الخضار والفواكه في طرطوس تحرم الناس شراءها هل ينجح الناتو والاتحاد الأوروبي في تثبيت جبهتهما الداخلية و ردع موسكو؟ إرادة الشعب تترجمها صناديق الاقتراع الأحد المقبل في انتخابات مجلس الشعب "لا توجد شبكة".. شعار الإنترنت المفقود بين الشبكات الأرضية والفضائية بحلب آفاق جديدة للتعاون التجاري والصناعي بين حلب و"جيزرة" التركية ماذا تتضمن خطة ترامب للسلام في غزة.. وهل تنجح؟ وزير الإعلام السعودي: العلاقات مع سوريا متجذرة  الدعاية الانتخابية بدءاً من اليوم..  والسبت صمت انتخابي إعادة تأهيل مطار دير الزور المدني لوضعه في الخدمة صيانة أوتوستراد دمشق - درعا الدولي ترامب متفائل بوقف الحرب.. وتظاهرات في ألمانيا نصرة لغزة العطش يداهم "تل شهاب" في درعا هل تحدث الأمم المتحدة ثورة للتغيير في العالم؟ حفل ختام افتتاح قلعة حلب.. صفحة جديدة في ذاكرة المدينة السياحة البيئية البحرية كنوز تنتظر من يوقظها