الثورة – عبير علي:
على الرغم من أن الكروشيه قد ارتبط في الأذهان غالباً بالصبايا والسيدات، فإن الشاب عيسى ديب كسر هذا التقليد وابتكر مشروعاً يعكس طموحاً كبيراً وفكراً إبداعياً.
مشروع “نهفة” الذي بدأ من منزل عائلي صغير في عام 2014، تحول من حلم بسيط إلى علامة تجارية تُعرف بجودتها وروحها، ومشروع يروي قصة الحرف اليدوية السورية التي كانت على وشك الاندثار.
في لقاء مع صحيفة الثورة، يروي عيسى قصة نجاحه وكيف استطاع كسر القاعدة وتغيير المفهوم التقليدي للكروشيه.

بداية الحلم
في عام 2014، بدأ عيسى رحلته مع “نهفة ستوديوز” من فكرة بسيطة نشأت في منزل عائلي صغير، يقول عيسى: “كنتُ أنا وإخوتي نملك شغفاً بالأعمال اليدوية، بالكروشيه تحديداً، وبكل ما يحمله من دفءٍ وإبداع، أردنا أن نحول هذا الشغف إلى مصدر رزق، وإلى مساحة نُظهر من خلالها جمال الحرفة السورية التي كانت في طريقها إلى الاندثار”.
“باستخدام أدوات بسيطة، مثل السنارة والخيوط وبعض التصاميم اليدوية، بدأ الفريق في إنتاج قطع فنية من الكروشيه كالبطانيات، الحقائب، الأوشحة، الملابس والإكسسوارات، كل قطعة كانت تحكي قصة امرأة سورية، تحمل روحها داخل خيوطها، صعوبات، إذ إن الطريق لم يكن سهلاً.
مع مرور السنوات، واجهت “نهفة” تحديات اقتصادية قاسية بسبب الوضع في سوريا، يقول عيسى: “من ارتفاع أسعار المواد الأولية إلى صعوبة الشحن والتصدير، كانت التحديات كبيرة، ومع غياب الدعم للمشروعات الصغيرة، كانت كل خطوة تحتاج إلى جهد مضاعف”، ورغم كل تلك الصعوبات، لم يفقد الأمل، بل كان دائماً ما يتطلع إلى المستقبل.

الانطلاق من لبنان
في عام 2017، انتقل عيسى إلى لبنان، إذ أسس مساحة عمل جديدة، وبدأ بالتعاون مع حرفيين وحرفيات من مخيم شاتيلا، هذه التجربة الصعبة والغنية علمته الكثير: “تعلمت كيف أدير فريقاً من عشرات النساء، وكيف أطوّر منتجات تجمع بين الجمال والرسالة الإنسانية.
استطاع عيسى وفريقه تأمين فرص عمل لنساء يعشن في ظروف قاسية، وتحولت “نهفة” إلى مشروع يوفر دخلاً واستقراراً لعائلات بأكملها. علامة تجارية تعكس الإبداع والمسؤولية الاجتماعية
من لبنان، بدأت “نهفة” تأخذ شكلها الحقيقي كعلامة تجارية تجمع بين الحرفة والإبداع والمسؤولية الاجتماعية، يقول عيسى: “شاركنا في برامج دعم ريادية مثل Startups Without Borders وThe Rural Initiative، وتلقينا تدريباً على تطوير الأعمال والتسويق الإلكتروني.
توسعنا في الأسواق الإلكترونية وبدأنا البيع عبر الإنترنت لعملاء في أوروبا والخليج، ما ساعدنا على الاستمرار رغم كل الصعوبات”، لكن الحلم لم يتوقف عند هذا الحد، بعد سنوات من العمل، قرر عيسى أن يوسع مشروعه ليشمل صناعة المواد الأولية نفسها.
ولدت فكرة إنتاج خيوط الصوف الطبيعي المصبوغ بالنباتات المحلية، وهو مشروع سيكون الأول من نوعه في سوريا.

العودة إلى سوريا لتعزيز الحرفة والتعليم اليوم
وبعد أكثر من عقد من الزمن، عاد عيسى إلى سوريا مع خطة جديدة لمستقبل “نهفة”، “أريد أن أجعل من “نهفة” مساحة تعليمية مفتوحة، إذ يمكن لأي شخص — امرأة أو رجل، شاب أو خمسيني — أن يتعلم حرفة تفتح له باب رزق.
سنبدأ قريباً بتنفيذ دورات تدريبية في الكروشيه والحرف اليدوية الأخرى، مثل النسيج والتطريز وصناعة الخيوط”، كما يخطط لإنشاء ورشة متكاملة ومعرض دائم في اللاذقية، تجمع بين الإنتاج والعرض والتعليم.
سيستمر بيع المنتجات محلياً وعبر الإنترنت من خلال منصات لتصل منتجاتهم من القرى السورية إلى العالم.
الحرفة سلاح للتمكين وإعادة البناء
لم يتوقف عيسى عند مجرد تحويل حلمه إلى مشروع تجاري ناجح، بل يؤمن بأن الحرفة يمكن أن تكون أكثر من عمل يدوي، يمكن أن تكون وسيلة لتمكين الناس، ولإعادة بناء ما تهدم بالحب والعمل والإبداع.
بالنسبة له، “نهفة” ليست مجرد مشروع تجاري، بل هي حكاية هوية وامتداد لذاكرة مليئة بالألوان والخيوط، ومع مرور الوقت، يواصل عيسى ديب تحدي الصعاب ويؤمن أن الفن والحرفة قادران على خلق غدٍ أجمل.
من قرية صغيرة
“في الساحل السوري، أبدأ من جديد… بخيوط من الأمل، وبإيمان بأن الفن والحرفة قادرتان على نسج غدٍ أجمل”.
في النهاية، تظل “نهفة ستوديوز” أكثر من مجرد علامة تجارية أو مشروع صغير، هي قصة إصرار، عمل، وابتكار.
هي قصة شاب قرر أن يحول شغفه إلى مشروع يعيد الحياة لحرفة تراثية قديمة، ويربط بين الماضي والحاضر، وبين الحرفة والابتكار.