الثورة- ترجمة ختام أحمد:
لا يُقتل الفلسطينيون في غزة بالقنابل فحسب، بل يقتلون بالصمت أيضاً، صمت الصيدليات الفارغة، والثلاجات المعطلة، وغياب الأنسولين. وبينما يواصل الهجوم الإسرائيلي تدمير الجيب الساحلي، يقع آلاف المصابين بالسكري في معادلة قاسية، البقاء على قيد الحياة دون علاج أو الاستسلام للمرض، بالنسبة لهم، كل يوم هو معركة بين عدوين غير مرئيين، الحرب والسم البطيء للمرض غير المعالج.
في خيمة مؤقتة بالقرب من خان يونس في جنوب قطاع غزة، ينظر نوفل الشرافي البالغ من العمر 58 عاماً إلى جهاز قياس السكر في دمه، حيث تعرض الشاشة الصغيرة رقماً مثيراً للقلق، فقد مرّ أسبوع منذ آخر جرعة إنسولين له. وقال الشرافي لصحيفة “العربي الجديد”: “نزحنا من مدينة غزة قبل ثلاثة أسابيع، ومنذ ذلك الحين، لم أتلقَّ جرعةً واحدة”، وإن “المراكز الطبية في الجنوب مثقلة بالمرضى، يبذل الأطباء قصارى جهدهم، لكنهم لا يستطيعون تلبية احتياجات الجميع”. يحمل الشرافي في حقيبته البالية بعض زجاجات الإنسولين الفاسدة، يحاول تلطيف الجو بوضعها في وعاء ماء داخل الخيمة، “الحرارة تدمر كل شيء ، في بعض الأحيان أتوقف عن تناول الدواء لأنني أخشى أن يضرني أكثر مما ينفعني”، يضيف الشرافي،في مدينة غزة، دمَّر القصف الإسرائيلي المراكز الطبية، بما في ذلك مقر جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية في حيَّي الرمال وتل الهوى، وأدَّى هذا القصف إلى تدمير مخزونات كبيرة من الأدوية الأساسية. كما علقت منظمة أطباء بلا حدود عملياتها وأجلت موظفيها بعد الاجتياح الإسرائيلي للمدينة، مشيرة إلى خطر القصف المستمر بالقرب من المستشفيات. وكانت النتيجة كارثية بالنسبة للمرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة ويعتمدون على الرعاية المستمرة للبقاء على قيد الحياة.
في حي الشيخ رضوان الذي دمره القصف، يجلس عبد الكريم سليم البالغ من العمر 70 عاماً على كرسي مكسور محاطاً بجيرانه، ويستمع إلى جهاز راديو يعمل بالبطارية. قال عبد الكريم الذي فقد قدمه اليمنى العام الماضي بسبب مضاعفات مرض السكري، والآن، يخشى فقدان الأخرى: “أخبرني الأطباء بضرورة تنظيف الجرح بانتظام، لكن الطريق إلى المستشفى محفوف بالمخاطر، وعندما أصل إلى هناك، أجد الممرات مليئة بالمرضى النائمين على الأرض”، لم يعد المرض مجرد ألم؛ بل هو انتظار بين انفجار وآخر، أحياناً أشعر أن الصبر نفسه أصبح دواءنا الوحيد، كما أضاف، في مخيم دير البلح المكتظ بالسكان، تضع رندا حمودة، البالغة من العمر 46 عاماً، قوارير الأنسولين بعناية داخل وعاء طيني مملوء بالماء البارد، وهي طريقتها الوحيدة للحفاظ عليها من التلف، وتقول رندا: “انقطعت الكهرباء منذ عامين، فأصبحت الثلاجات مجرد ذكرى الآن، أدعو الله كل يوم ألا يفسد الدواء”، بحسب وكالة الأنباء TNA نزحت رندا بعد أن دمرت غارة جوية إسرائيلية منزل عائلتها، ما أدى إلى مقتل ابنتها، ومنذ ذلك الحين، تكافح رندا للموازنة بين الحزن والبقاء.
وبحسب سامر بدوان، أخصائي الغدد الصماء الذي يعمل في مركز طبي ميداني جنوب غزة، فإن الأزمة وصلت إلى مستويات كارثية، وقال لوكالة أنباء TNA: “إن هناك أكثر من 60 ألف مريض بالسكري في قطاع غزة معرضون لخطر الوفاة أو الغيبوبة بسبب نقص الأنسولين والكهرباء”.وقال بدوان: إن بعض المرضى يلجؤون إلى تناول أدوية منتهية الصلاحية أو مخزنة بطريقة سيئة، ما يؤدي إلى مضاعفات خطيرة، نستقبل يومياً مرضى يعانون من التهابات حادة وارتفاع أو انخفاض خطير في سكر الدم، الأمر أشبه بموت بطيء، كما أضاف، لم يبدأ هذا مع الحرب، سنوات الحصار شلت النظام الصحي في غزة، لكنه الآن انهار تماماً، لا توجد أجهزة فحص، ولا شرائط، وعدد الكوادر الطبية غير كافٍ، حتى الأطباء منهكون من العمل على مدار الساعة دون أي دخل يُذكر، كما أوضح، من بين الضحايا الأكثر إيلاماً الأطفال، في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة، يجلس خالد أبو زايد، البالغ من العمر 40 عاماً، بجانب ابنه آدم، البالغ من العمر عشر سنوات، والمصاب بداء السكري من النوع الأول، وقال أبو زايد لوكالة أنباء TNA : “أخشى كل ليلة أن ينخفض مستوى السكر في دمه أثناء نومه”، مضيفاً: “نحاول موازنة الأنسولين مع الطعام، لكن لا يوجد ما يكفي من الطعام، ولا توجد أجهزة لاختبار مستويات السكر لديه”، “في الظروف العادية، يمكن السيطرة على هذا المرض، لكن هنا في غزة، أصبح سلاحاً آخر، سلاحٌ يقتل بصمت”.
و وفقاً لجمعية حيفا لأطفال السكري، توفى أربعة أطفال على الأقل هذا العام بسبب نقص الأنسولين وسوء التغذية، وتكافح العيادات الميدانية لاستيعاب التدفق اليومي للحالات في ظل تناقص الإمدادات، ويصف مديرها عوني شويخ الوضع بأنه “خارج نطاق الطوارئ”.