الثورة -سهى درويش:
زخرت مدينة أوغاريت بحضارة اقتصادية ومنظومة إدارية وثّقت لعقل مدّبر، وأيادٍ ماهرة نقشت الحجر والفلز بدقة متناهية.
الباحث في علم الآثار الدكتور غسان القيّم في حديثه لـ”الثورة” أوضح أن الدراسات الأثرية والنصوص المسمارية المكتشفة في القصر الملكي بأوغاريت في نهاية عصر البرونز الحديث حوالي عام ١٢٠٠ قبل الميلاد ، بيّنت بأن “أوغاريت” امتلكت منظومة متكاملة للمثاقيل والمقاييس الوزنية، تُعدّ من بين الأرقى في المشرق القديم، ورغم أن بعض النصوص ذكرت وحدات الوزن دون تحديد قيمتها بالغرام فإن الاكتشافات المادية أظهرت سبعة وعشرين مثقالاً من أصل أكثر من ستمئة قطعة وُجدت في القصر الملكي، وهي نماذج مذهلة من الفن والدقة.
وأضاف بأنه تنوّعت أشكال هذه المثاقيل بين الهندسي والتصويري، فبعضها جاء على هيئة حبّة الزيتون بقاعدتها المسطحة، وبعضها اتخذ شكل القبّة أو المخروط أو متوازي السطوح فيما حمل القليل منها رموزاً تصويرية خاصة.
وعن صناعتها بيّن القيم أن الأوغاريتيين استخدموا في صناعتها موادَّ متعددة مثل الهيماتيت، والستياتيت، والحجر الكلسي، وحجر اليمان وصخر الماغما، إضافة إلى المعادن كالبرونز والرصاص والخليط النحاسي وكلها تدلّ على معرفةٍ دقيقة بخصائص المواد، واعتمدت أوغاريت أربعة أنظمة وزنية متزامنة، هي:النظام الكركميشي “بين 6.8 و7.8 غرام”، النظام الرافدي “بين 7.9 و8.5 غرام”، النظام الأوغاريتي “بين 8.6 و10.1 غرام”، النظام الحثي “بين 11.2 و11.7 غرام”.
ومن بين المثاقيل السبعة والعشرين المكتشفة، توافقت ستة مع النظام الكركميشي واثنان مع الرافدي وسبعة عشر مثقالاً حملت البصمة الأوغاريتية الأصيلة. وختم القيّم بأن ضبط الأوزان ومعايرتها عمل يتطلّب مهارةً فنية وعلمية، كما يتطلّب نحت الختم الأسطواني دقة متناهية، وهي دلالة على وحدة الفكر الفني والإداري في تلك المدينة العظيمة.