هل سمعتم يوماً عن أناس لم يكبروا؟ لم يمر الزمن عليهم على توقيت روزنامتهم، لم يمدوا بساط الشتاء، ولم يلمّوا بردة الصيف على أبوابهم المفتوحة!
هل سمعتم عن أناس لم يعرفوا الليل من النهار؟ كل ما في عقارب وقتهم اليومي هو أنهم يحيون على الصلاة ويسرحون للعمل، حيث وجهة رزقهم، لا يتعاطون السياسة ولا تهمهم أخبارها العاجلة، بل السعي وراء قوتهم اليومي.
يرون الثقافة كماليّات وجماليات لا تعنيهم، فما نفع الثقافة دون مسكن، وغناء دون استرخاء؟
إنهم موجودون، لاسيما في المناطق الثائرة التي لا تزال تنهض من تحت الركام والحطام، لا تزال تتنهد من أثر الحرب والخوف ورائحة الدماء.
لا يعنيهم اليوم إلا أن تعود الحياة إلى بساتينهم، وتفرش الغراس في أرضهم، وتكنس الرماد والاحتراق من على أرصفة الزمن المقهور الذي نام هناك طويلاً ولم يستفق بعد.
إدلب الخضراء، تلك التي تشهد اليوم تظاهرة أفلام الثورة السورية، من تلك المناطق، أناسها البسطاء لا يزالون يغرقون بالقهر، وجل همهم أن يعيدوا ترتيب بيتهم الداخلي.
يقول لي أبو جابر: “هنا في إدلب، لا يزال الناس يبنون البيوت فوق الركام، ويعدون أحلامهم بين جدران مفتوحة، وهذا ما جعلهم لا يكترثون بظواهر ثقافية قد تمر عليهم مرور الكرام”.
وهو فعلاً ما حدث، أثناء افتتاح الفعالية، لم يحضر سوى موظفي المركز الثقافي في إدلب.
بتردد، يقول لي مشرف هناك: “اليوم دور البناء، ولاحقاً الغناء، وإن كان العنوان عن أفلام الثورة، فإن الثورة لا تزال تسكننا، لا يزال ترابنا مبللاً بدم الشهداء، ولا يزال يروي الأطفال خوفهم، ولا يزال الأحرار يتنفسون الصعداء حين يأتون إلى دمشق، وكأنهم في حلم دام طويلاً”.
الثورة ليست فيلماً يُروى نصفق لأبطاله، إنها حقيقة تنبض بين القلوب الثائرة صرخت: “الكرامة حياة، والحياة كرامة وإن كان على ركام”.