ثورة أون لاين:
ليس خبراً عادياً طارئاً أو عابراً أن يعلن وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر أمام الكونغرس الأميركي قبل أيام.. وبعد أربع سنوات من الحروب الإرهابية والسياسية والاقتصادية والنفسية والإعلامية على سورية,
أن الجهود الضخمة لوكالة المخابرات المركزية الأميركية والأموال السعودية القطرية الطائلة, والحدود التركية الأردنية الطويلة والمفتوحة على مصراعيها مع سورية, فضلاً عن التحريض النفسي والإعلامي والإثني والديني والطائفي.. كانت حصيلتها تجنيد ستين مقاتلاً فقط في صفوف من سمتهم أميركا المعارضة السورية «المعتدلة»!
أميركا صاحبة الخبرة الطويلة والفاعلة في صناعة جيوش «الكونترا» المرتزقة, والسي آي إيه صاحبة السجل الواسع والعميق في غسل العقول وتجنيد العملاء, والشيك المالي الخليجي المفتوح .. كلها تفشل في إيصال عدد السوريين المعارضين «المعتدلين» الراغبين في القتال إلى مئة!
هي بالتأكيد, موضوعة للتفكير والتأمل, بل للدراسة والتدقيق في مؤشراتها ودلالاتها.. حتى وبصرف النظر عما يعنيه مفهوما الاعتدال والتطرف أميركياً, إذ كيف لمعارضة.. أي معارضة في التاريخين القديم والحديث وفي أي بلد ومجتمع في العالم, أن تفشل في تجنيد أكثر من ستين معارضاً للقتال في جبهتها.. مهما كانت هشاشة قضيتها ولا أحقيتها في أي شيء؟
لعلنا أمام حالة استثنائية غير مسبوقة في تاريخ الصراعات السياسية, حالة تستدعي إعادة النظر ليس في مفاهيم الاعتدال والتطرف فحسب, بل وفي مفاهيم المعارضة والموالاة.. وأكثر من ذلك, في مفاهيم الولاء والانتماء والخيانة والعمالة وغيرها من المفاهيم التي تفرز الناس عادة إلى صفين متقابلين أو جبهتين متضادتين؟
مطلع الستينيات من القرن الماضي وبعد أشهر قليلة من قيام الثورة الكوبية بقيادة فيدل كاسترو, ومع ان الثورة هناك كانت ثورة حقيقية استولت على قلوب ومشاعر الأغلبية الساحقة من الكوبيين.. استطاعت السي آي إيه حينذاك, وبقليل من المال والعتاد والتحريض, أن تجند آلافاً مؤلفة من الكوبيين, وتدفع بهم إلى غزو كوبا جواً وبحراً انطلاقاً من سواحل ولاية فلوريدا الأميركية في عملية ما يعرف بـ «خليج الخنازير».
صحيح أن غزو العملاء الكوبيين لبلادهم فشل فشلاً ذريعاً ولأسباب تقنية من الجانب الأميركي وثورية من الجانب الكوبي, غير أن ذلك لم يمنع السي آي إيه من إعادة الكرة ثانية وبنفس الطريقة والأدوات في مواجهة الثورة الساندينية في نيكاراغوا, واستطاعت عبر سنين من الغزو أن ترهق الثورة وتستنزفها.. فما الذي جرى لقدرات وتقنيات السي آي إيه في الحالة السورية؟
وصحيح أيضاً أن من تسمي نفسها «معارضة» سورية.. ومنذ بدايات الحرب على سورية كانت وما زالت أنموذجاً في التشتت الفصائلي والالتباس «الثوري» والضبابية الأيديولوجية.. إلا أن عجزها عن تقديم مئة فقط من كوادرها لحمل السلاح وقتال الدولة السورية يكشف عن ظاهرة جديدة في تاريخ المعارضات السياسية في العالم, جديرة بالدراسة والتمعن واستخلاص العبر… وثمة بقية تأتي!!
خالد الأشهب