ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علـي قـاسم:
يفتح السجال الغربي وما رافقه من ثرثرة أحياناً وتهويلات في أحيان أخرى حول الحراك الروسي الأخير الباب واسعاً على تأويلات.. وربما تكهنات أقرب إلى التمنيات منها إلى الوقائع،
بحكم ما تعكسه من مقاربة مقلوبة ومناقضة للواقع، وفي بعضها تسحب الغطاء، وتكشف ما خلفه من خبايا تورط إقليمي ودولي مع التنظيمات الإرهابية، وفي بعضها الآخر تبدو أقرب للنكتة السمجة.
فالناتو الذي كشف عن ساعديه في نصرة تركيا يتكئ على تسخين أميركي مسبق ولاحق، وصل بوزير الحرب الأميركي إلى تعديل جزء من تصريحاته حول المواجهة مع روسيا، من دون أن يسحبها من التداول رغم كثرة التوضيحات اللاحقة لها، في حين يبدو بعض الحلفاء الناطقين بالعادة باللسان الأميركي أقرب إلى التهريج السياسي وهم يطرحون ما يبدو أنه جزء من ذلك السجال، لكنه بصيغة مسرحية هزلية.
بغضّ النظر عن الحسابات والدوافع فإن المشهد يحاول أن يلتقط جزءاً من ذلك السجال، بحكم أنه يملأ فراغاً لا يكاد ينتهي من اللغو واللغو المضاد بين الغربيين أنفسهم، وكثير منهم وجد فيه ضالته ليدلو بدلوه، على أمل أن يحجز موقعاً أو كرسياً في طاولة افتراضية لا بد أن تُعقد في نهاية المطاف، ولو طال بها الزمن أو تأخر موعد انعقادها.
اللافت أن الضجيج الغربي في معظمه يتحرك من بكائيات واشنطن على معتدليها الملتحقين بحكم النشأة والتربية بالنصرة -فرع القاعدة في سورية- أو إلى داعش ذاته، وما تفرّع منها من اشتقاقات، حيث لا يستطيعون أن يعيشوا أو يتحركوا خارج موضعهم ومكانهم الطبيعي رغم الرتوشات المتعددة والإضافات الكثيرة التي وردت في سياقات مختلفة، ومحاولة تكييس وجه التطرّف فيهم بعد أن عجزوا عن إخفائه حين اقتضت الحاجة أو تطلّب الأمر ذلك.
ثمة براهين وأدلة قاطعة على أن البكائيات الأميركية تتورّم لدى الأدوات الإقليمية التي تحركت قبل أن تصلهم مراحل الندب الأميركي لتقف على أطلال ما أنتجته، وهي تتهاوى أمام التطورات الأخيرة، حيث كشفت الضربات الجوية الروسية وما رافقها من عمليات للجيش العربي السوري عن الفارق الهائل بين الجدية والادّعاء من جهة، وفضحت بالقرينة والدليل العلاقة الجذرية التي تربط تلك الأدوات ومعها أميركا وحلفائها بالتنظيمات الإرهابية، حيث ترجمتها العملية على أرض الواقع كان يزيح تراكمات الكذب والتسويف والنفاق الغربي لتبدو الحقائق صارخة، فيما الضجيج الـمُفتعل والتسخين الأميركي مرفقاً بأصوات الناتو محاولة للتستر على ما تفضحه تلك الوقائع على الأرض.
في المنحى العام ليس هناك من شك في حصيلة النتائج الأولية، حتى لو كان غبار المعارك الإعلامية الـمُفتعلة لا يزال يتصاعد، ورغم أن انفجارات القنابل الصوتية القادمة من التصريحات الغربية، تلملم رجع الصدى الخائب، حيث كان الرئيس بوتين واضحاً في رضاه، والموقف الروسي أكثر انسجاماً مع الوقائع والمعطيات وأكثر مقدرة على التحكم بالتطورات وإدارتها في سياق الخطوات المدروسة والـمُعدّة خطوة خطوة، حيث كرة الثلج التي تدحرجت على مدى السنوات الماضية وكبُرت بما فيه الكفاية، تبدأ رحلة تدحرجها في الاتجاه المعاكس، وهي تُخلي عنها ما علق لتكشف بوضوح عن خبايا ما استتر في الماضي وحتمية ما هو قائم في الحاضر.. وما سيكون عليه في المستقبل.
لا نعتقد أن القرائن المتدحرجة خلف كرة الثلج تلك مجرد حالة آنية أو مرحلية، بقدر ما تعكس واقعاً دولياً لا بدّ أن يلحق بها ولو امتدت المسافة أو طال الزمن لبعض الوقت تحت وقع الضجيج القادم، أو بفعل عوامل دفع عكسية تمارسها أميركا ومن خلفها وربما قبلها أدواتها في المنطقة التي تُبدي استماتة غير مسبوقة في سياق اللحاق قبل فوات الأوان أو المراهنة على شراء الوقت.. وفي ظل تهافت أميركي على التذرع ومن دون كَلل بحجج واهية فضحتها آخر فصول الرفض الأميركي لتحديد الأماكن التي تقع فيها التنظيمات الإرهابية.
ما هو أبعد من ذلك.. أن تبدي واشنطن «حردها» السياسي من التعاون مع روسيا، بعد أن كانت المتحمسة.. بما يعنيه من رفض لآخر عروض المساومات الرخيصة التي اعتادتها أميركا.. تمهيداً أو تحضيراً لمشهد تتغير فيه اتجاهات رقعة الشطرنج، وما تمليه من محددات إضافية وكافية ليفرض الإيقاع الروسي حضوره، فيما الغرب وأدواته الإقليمية ينشغلون بمداراة فضائح ما تخلفه كرة الثلج في تدحرجها العكسي..!!
a.ka667@yahoo.com