ويحدثونك عن «الاتفاق الوشيك»

ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
كثر الحديث عن تقارب أو شبه تقارب أميركي روسي يفضي إلى ما اصطلح على تسميته بالهدنة، وللتلطيف أحيانا بالتهدئة، وفي بعضها يسمى اتفاقاً بصيغة ما وعلى نقاط ما، لكن أحداً لم يحدد شكل الصيغة، أو يشرح نقاطها بدقة،

ما أفسح في المجال أمام سيل من التكهنات والتسريبات والاستنتاجات، بعضها شمل طيفاً واسعاً من الافتراضات التي تجاوزت الواقع والمعطيات، وذهبت باتجاه الإضافة هنا والحذف هناك، حسب الحاجة أو الرغبة، من دون أن تتضمن أي منها ما يؤكد أو يدحض التفاصيل الملحقة، التي أفاضت بها الشروحات المجانية.‏

فبعد سلسلة من التصريحات والتسريبات التي بالغت في تفاؤلها، وأخذ بها كثير من المحللين، وأضافوا عليها لرسم صورة متخمة بالتخمينات ذات الطابع الكلي، الذي وصل إلى حدود المطالبة بالانتظار والكف عن فعل أي شيء بانتظار الإفصاح عمَّا في جعبة هذا الاتفاق، يُفاجأ الجميع بأن النقطة التي كانت في الأصل جوهر الخلاف لا تزال في موقعها، بين أخذٍ ورد، ولم يتحقق فيها أي تقدم، بل ثمة من أعاد الأمور إلى ما قبل المربع الأول، حين جزم بأن التمترس الأميركي خلف صعوبة الفصل بين معتدليه والتنظيمات الإرهابية، تحديداً النصرة لا يزال على حاله، بما يعنيه من تسويف متعمد ومداورة على الحلول.‏

في المعطيات الواقعية نجد أنفسنا أمام جدل لا يخلو من العبثية حين يتناول المسألة بشيء من التبسيط، وأن الاتفاق يمكن له أن يكون المنعطف المنتظر لكثير من المسائل الشائكة، لكن في القراءة المنطقية نجد أنفسنا أمام حقائق لا يمكن دحضها، في مقدمتها أن المسلمات البسيطة يبدو من غير المتاح تداولها، بدليل أن مسألة فصل التنظيمات الإرهابية عن معارضة واشنطن التي تريد أن تفرض اعتدالها على الجميع، طالت ومن دون أي أفق متاح أو منتظر ومن غير أن يوصل إلى نتيجة، حيث ثبت ببساطة شديدة أن واشنطن غير جادة، بل لا تريد أن تكون جادة، وأن المسألة برمتها مجرد استهلاك عبثي للوقت ومماحكة سياسية من دون طائل.‏

فإذا كانت المدخلات الفعلية ستقود إلى مخرجات مشابهة فنحن أمام تنظير في المصطلحات ومماحكة إضافية في المفردات، وغرق في متاهة شبهة الاعتدال، ليبقى تحديد لائحة بالتنظيمات الإرهابية مؤجلاً حتى إشعار آخر، وسط جزم بأنها الذريعة الأميركية للتهرب من مكافحة الإرهاب، الذي يمثل في القراءة الفعلية رغبة أميركية في الاستثمار به وبتنظيماته وأن توظف سياسياً كل ما ينتج عنه، بحكم أنه قد يكون طريقها للتعويض عما خسرته في حسابات ومعادلات أخرى عندما عولت على إدارة أدواتها الإقليمية للمعركة، أو حين أوكلت إليها مهمة التنسيق بين التنظيمات الإرهابية وتلوين وجودها أو حضورها.‏

المفارقة حاضرة في كل المقاربات التي حاولت التسويق لتلك المصطلحات، لكنها أكثر وضوحاً في اكتشاف متأخر لما يجري وقد بانت الكثير من ملامحه، وبات التعويل عليه جزءاً من النفاق السياسي وفي بعضه وصل حد الاتكاء على هذا النفاق وتسويقه كجزء من منظومة التضليل الأميركية، ولم يتردد البعض في الأخذ ببعض مما تروجه تلك المنظومة على أنه ينفض الغبار عما مضى، وأن صفحة جديدة على وشك أن تبدأ، لنكتشف بعد حين أن ما يعولون عليه ليس أكثر من جدل في البديهيات، التي لا تزال السياسة الأميركية تراوح في مربعها الأول، وفي جزء آخر كان هناك رهان على أن الصفحة الجديدة تنسحب أيضاً على المشغلين الإقليميين، وهذا ما سمعناه مراراً وتكراراً من النظام التركي الذي يجد في السلوك الأميركي مخرجاً من الحرج السياسي وبوابة لنفاقه الذي يأتي غالباً على مقاسه.‏

المحسوم عملياً أن التفاهمات الروسية الأميركية لا تزال في غرفة العناية المركزة، ولم تنفع معها محاولات الإنعاش، ولا حتى العلاج بالصدمة التي تأتي من هنا أو هناك، وإن كانت في أغلبها من جهة المعطيات الميدانية صادمة للجانب الأميركي، بينما التعويل على اتفاق أو تهدئة أو هدنة كما يرغبون بتسميتها يتمخض في نهاية المطاف عن نقاط اختلاف، تتجاوز جميع نقاط الاتفاق التي تنجزها اجتماعات الخبراء المطولة وزيارات كيري الممددة إلى روسيا، وحتى دبلوماسية الهاتف التي تغيب وتحضر تبعاً لعوامل التعاكس الحاد لم توصل إلى ممر أو معبر يمكن التعويل عليه.‏

«الاتفاق الوشيك» الوحيد دون سواه، الذي يكاد يرى النور كل ساعة وأحياناً كل لحظة أن أميركا لا تريد حلاً، وأميركا ليست جادة، والشيء الملموس فعلياً على الأرض ليس سوى تجريب إضافي في ترتيب أدواتها وتبدل أولويات استخدامها حسب المعطى الميداني أو الظرف السياسي، في حين تبقي على خيوط الصراع مشتعلة، وأقصى ما يمكن أن تقدم عليه إعادة تشبيك تلك الخيوط بالشد حيناً وبالرخي والاسترخاء معظم الأحيان، ما دامت إدارة الصراع ومخلفاته من دمار وخراب تتوافق إلى حد التطابق مع مصالحها أو أقله تحقق لها ما عجزت عنه بحروبها وهيمنتها واستلابها للشعوب والدول على مدى عقدين ونيف من زمن استفرادها بالمشهد الدولي.‏

a.ka667@yahoo.com

آخر الأخبار
العلاقات السورية الروسية .. من الهمينة إلى الندية والشراكة  الصحة النفسية ركيزة الرفاه الإنساني  حملة "فسحة سلام" تختتم مرحلتها الأولى  بفيلم "إنفيكتوس"   قادمة من ميناء طرابلس..الباخرة "3 TuwIQ" تؤم  ميناء بانياس "الزراعة الذكية"  للتكيّف مع التغيرات المناخية والحفاظ على الثروات   "التربية والتعليم": مواءمة التعليم المهني مع متطلبات سوق العمل إجراءات خدمية لتحسين واقع الحياة في معرّة النعمان من قاعة التدريب إلى سوق العمل.. التكنولوجيا تصنع مستقبل الشباب البندورة حصدت الحصّة الأكبر من خسائر التنين في بانياس  دعم التعليم النوعي وتعزيز ثقافة الاهتمام بالطفولة سقطة "باشان" عرّت الهجري ونواياه.. عبد الله غسان: "المكون الدرزي" مكون وطني الأمم المتحدة تحذِّر من الترحيل القسري للاجئين السوريين الجمعة القادم.. انطلاق "تكسبو لاند" للتكنولوجيا والابتكار وزير العدل من بيروت: نحرز تقدماً في التوصل لاتفاقية التعاون القضائي مع لبنان "الطوارئ" تكثف جهودها لإزالة مخلفات الحرب والألغام أردوغان: اندماج "قسد" بأقرب وقت سيُسرّع خطوات التنمية في سوريا "قصة نجاح".. هكذا أصبح العالم ينظر إلى سوريا علي التيناوي: الألغام قيد يعرقل عودة الحياة الطبيعية للسوريين مدير حماية المستهلك: تدوين السعر مرتبط بالتحول نحو مراقبة السوق الرابطة السورية لحقوق اللاجئين: مخلفات الحرب تعيق التعافي