الثورة أون لاين – عـــلي قــاســـــــم: بتحديد موعد الاستفتاء الشعبي على الدستور.. يكون السوريون أمام استحقاق دستوري لا تقتصر دائرة نتائجه على اللحظة الراهنة بقدر ما سترسم الأفق السياسي للإطار القانوني لحياة السوريين بمختلف مستوياتها في المرحلة المقبلة. لا شك أن اللحظة المفصلية التي ينطوي عليها الاستفتاء ستدفع نحو تقديم جملة من الآراء المنبثقة عن ذلك النقاش، حيث المؤشرات الأولية، وفق آراء اللجنة التي صاغت مشروع الدستور الجديد، قد عكست الأرضية الفعلية للجو العام الذي يمكن من خلاله قراءة بعض مؤشراته على الأقل، حين أفضى إلى تبني جملة من الأفكار التي كانت موضع نقاش وصولاً إلى الصياغة النهائية، حين أخذ بالكثير من الهواجس التي تصاعدت سواء تلك التي تشكلت على خلفية ذلك النقاش، أم التي كانت قائمة بالأساس. وفق هذا المعيار فإن تحديد الموعد يعني ترجمة عملية لنهج إصلاحي تم تبنيه والانطلاق به بخطوات مدروسة، حيث تندرج جميعها -سواء التي سبقت الحالة الراهنة أو اللاحقة لها- في إطار استكمال مقومات الإصلاح ليكون ناجزاً من الناحية السياسية والتنظيمية والتشريعية.
وإذا كان مؤكداً لنا أنّ إنجاز الدستور بهذه الصيغة والتي أجمعت الآراء – أو كادت – على محاكاته لأفضل الدساتير في العالم مستفيداً من الخبرات والتراكمات التي شهدها العالم في كتابة العقد الاجتماعي، فإن الثابت لنا أننا أمام خيار مفصلي في تحديد ملامح الوجه السياسي الجديد لسورية، حيث التعددية بأنماطها المختلفة والحريات العامة التي ستنعكس على مختلف صور وصيغ التعاطي مع الشأن العام وصولاً إلى تحقيق أقصى درجات التفاعل السياسي مع مكونات المجتمع.
وهذا ما يقتضي بالضرورة الانتقال بالحراك السياسي إلى عتبة جديدة من الفاعلية المبنية على أسس وتوجهات عصرية تتلافى جميع الثغرات التي كانت قائمة وتدفع بكل طاقات المجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية إلى الانخراط في تأسيس بنية الدولة، وخلق قنوات تواصل بين البنى المختلفة على قاعدة التأثير والتأثر، ليكون النتاج منسجماً مع تطلعات وطموحات السوريين، ومتوافقاً مع التطورات السياسية الحالية والمستقبلية، من منظور محاكاة ما هو قائم والقدرة على التلاؤم مع القادم بكل تفرعاته.
ما يثير الانتباه، أنّ ردة فعل البعض لدى الإعلان عن تحديد موعد الاستفتاء ، عكست إلى حد بعيد الصور المتداخلة وفرزت بشكل كلي المواقف المتباينة أو تلك التي احتمت لوقت طويل بالحيادية، أو اختبأت في المنطقة الرمادية.. إذ لا يبدو من المنطقي وتحت أي مسمى أن يستمر التمترس تحت العناوين ذاتها.. والأخطر أن تحمل الفكرة نفسها دون تعديل حتى إن بعض الآراء تستخدم المصطلح الذي كان معمولاً به طوال الأشهر الماضية!!
ربما لم نتفاجأ بكثير من تلك المواقف المشككة أو الرافضة للنقاش، لاعتبارات ناتجة عن اليقين بأنها حين تبنت تلك الشعارات لم تكن جادة فيها، ولا هي مرادها أو هدفها بقدر ما كانت يافطة تخفت خلفها، ولم تكن بالأساس تسعى للإصلاح، بل كان لديها غايات أخرى تكشّف بعضها ولا يزال البعض الآخر يمارس حضوره خلف أجندات الإرهابي والإجرامي وإشاعة الفوضى والخراب.
لذلك، من الطبيعي أن يكون تحديد موعد الاستفتاء استحقاقاً مفصلياًَ بامتياز على المستويات المختلفة وأن يشكل نقطة تحول ليس في هذه المرحلة فقط، بل في مستقبل سورية الذي يريده السوريون بمختلف أطيافهم.
إنّ المشاركة في الاستفتاء وإبداء الرأي – بغض النظر عن الاتجاه الذي يسير به هذا الرأي- هو الطريق الصحيح والسليم ليأخذ كل سوري دوره في الحياة السياسية بمختلف معطياتها، وأن يكون ذلك مقدمة ايجابية نستطيع من خلال المشاركة فيها أن نكرسها سلوكاً في آليات تعاطينا مع استحقاقات قادمة وربما طويلة.
a-k-67@maktoob.com