ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
ساعات وتنتهي شهور من الانتظار، ومعها يخرج الكثير من التحليلات والاستنتاجات والحسابات من التداول، وإن كانت ستبقى ولو بصيغة أخرى مع ما يضاف إليها من المعادلات والتي ستعود إلى المربع الأول والخانة الأولى في السؤال الأساسي عن سمات السياسة الأميركية المنتظرة مع القادم الجديد،
الذي ستفصح عنه النتائج العملية للانتخابات الأميركية، التي طالما شكلت نقطة محورية تقاطعت حولها -كما تباينت- مختلف المواقف.
قد لا تضيف هذه الساعات الفاصلة الكثير من العناوين التي أشبعتها الأيام الماضية تعديلاً.. وصولاً إلى الحذف حيناً والإضافة في أغلب الأحيان، لكنها في التفاصيل تبدو متخمة وإن كانت حصيلتها حاسمة لجهة الإقرار بأن الفارق بين ما قبلها وما بعدها يكاد لا تلحظه التطورات ولا تأخذ به المعطيات، حيث السياسة الأميركية لا ترتبط بهوية الساكن في البيت الأبيض، بقدر ما تحكمها لوبيات القرار والضغط والاحتكارات.
الاختلاف الحقيقي يأتي لأسباب أخرى بأبعاد قسرية، وقد ينحصر في سياق زوايا المقاربة المواربة التي سيتعاطى بها القادم العتيد مع قضايا ومشكلات مزمنة دأبت إدارة أوباما على إبقائها مفتوحة وحمالة أوجه، تحتمل الخلط في الخيارات كما تقبل الازدواجية في محاكاتها، حيث تصطف لائحة الخيارات الأميركية من أقصى مراحل التسخين والتصعيد إلى أدنى درجات التهدئة، وإن كان المعيار كما هو سائد في مختلف التجارب السابقة أن لا فرق كبيراً يمكن أن يحدث إلا فيما يتعلق بالطريقة والأسلوب وأن الأمر رهن بالأجندات الأميركية وما تقتضيه، أكثر مما هو مرتبط بالتغيير داخل البيت الأبيض.
غير أن هذا لا يلغي حقيقة باتت أمراً بيّناً في إطار الواقع الذي يحكم السياسة الأميركية والدور الأميركي وموقعه داخل المشهد الدولي، وما يمليه من تغيير قسري لم يعد بمقدور أميركا أن تكابر في تجاهله ولا أن تزاود في تبريره، لأن معطيات التجاذب على المسرح العالمي تفرض بالضرورة الحاجة إلى تلك التغييرات حتى لو كرهت ذلك أو حاولت المداورة والمراوغة عليه، حيث أميركا المتفردة بالمشهد العالمي لم تعد كذلك، كما أن القوى العالمية التي كانت مستكينة لذلك الحال لم تعد هي ذاتها، مضافاً إليها كماً لا ينتهي من الأسباب الذاتية والموضوعية التي فرضت نفسها كعامل مرجح لتغييرات جوهرية في المقاربة الأميركية.
أهم تلك الأسباب التي تبرز بشكل ملح ناتج عن فشل الإدارة الأميركية في الكثير من مقارباتها التي قدمتها حول مكافحة الإرهاب، وأن الدور الأميركي في التعويل عليه بات أمام مواجهة مستعصية تقود في حصيلتها النهائية إلى أن الأجندات التي رسمتها اعتماداً على ذلك لم يعد بالإمكان الاستمرار فيها، ليس لأنها عدلت من رأيها أو غيرت، بل لأنه يعكس استحالة متابعتها بعد افتضاح مجمل جوانب النفاق الأميركي، وأضحت مضطرة للتغيير ولو تكتيكياً.
وثاني تلك العوامل يرتسم من خلال الحاجة الأميركية إلى تعديل في التعاطي مع القضايا الدولية التي اقتضت أن تكون فيها طرفاً يتقاسم مع الآخرين حدود ومساحة النفوذ، بعد أن كانت من يقرر ذلك بشكل أحادي على مدى العقود الماضية، ومن يوزع على الآخرين أدوارهم ومساهماتهم وفق مقتضيات حاجتها وليس تبعاً لأي عامل آخر، ولم تتردد أميركا -بتعاقب إداراتها- في المبالغة في استخدام سطوتها إلى مستوى تغييب أي شركاء حقيقيين وتحويلهم إلى مجرد توابع تدور في الفلك الأميركي.
لائحة الأسباب الذاتية والموضوعية للتغيير تتسع تبعاً للقراءة الأميركية لذاتها ومحيطها وما خارجه، وتطول وفقاً لرؤية الآخرين لأميركا، وقد تتباين في درجة تأثيرها وإن كانت تملي ضرورة التغيير، أو على الأقل تدفع باتجاهه، حيث الأمر لا يرتبط بتغيير في ساكن البيت الأبيض، بقدر ما يشكل فرصة سانحة يمكن لأميركا أن تعيد تدوير زوايا مواقفها لتكون أكثر توافقاً مع مقتضيات المشهد، ومع متطلبات التواؤم مع المناخ السائد في العلاقات الدولية لتكون أول المقرين ببزوغ مشهد جديد في تلك العلاقات.
التغيير الأميركي القسري قادم، مهما تكن هوية الرئيس الجديد، ومهما تكن نوازع ودوافع وخلفيات القادم إلى البيت الأبيض، فيما الساعات الفاصلة لم تعد تعمل على التوقيت الأميركي.. وتباطؤ إيقاعها أو تسارعه لا يقدم ولا يؤخر كثيراً في العبث الأميركي وتعويله على الإرهاب الذي بات لعباً بالنار، فإدارة الخراب الذي بالغت إدارة أوباما في المراهنة عليه لم يعد متاحاً لأميركا الاكتفاء بالوقوف على أطلاله بقدر ما باتت مضطرة للأخذ بأسبابه والتوقف طويلاً عند نتائجه، بحكم أنها ستتشارك برغبتها أو من دونها مع لاعبين آخرين برزوا فعلياً -جميعهم أو بعضهم- أو على الأقل هم في طور البروز فرادى كانوا أم جماعة.
a.ka667@yahoo.com