ثورة أون لاين:
مختصر القول ما تزال بانياس في محافظة طرطوس مدينة «بور» بكل ما للكلمة من معنى، سواء من الناحية الخدمية أو الاستثمارية أو السياحية أو غيرها..
فهذه المدينة التي تقع على شاطئ البحر المتوسط يفاجأ القادم إليها ببساطة واقعها، حيث إن كل شيء فيها ما زال في خطواته الأولى أو غير موجود أصلاً.
الكورنيش البحري الذي يعتبر المقصد الأول لمدينة ساحلية مازال دون استثمارات تذكر،
فلا مطاعم أو مقاه أو فنادق، بل وأقل من ذلك بكثير حيث تعتبر الواجهة الشرقية أراضي وعقارات عشوائية ببيوت صغيرة متناثرة وأراضي فيها بعض الشجيرات وأحدها تحوي بيوتاً بلاستيكية كأنها داخل مدينة، وشمال الكورنيش مساحات شاسعة دون أي هوية، أمر يعجب له المرء.. والحجة أملاك خاصة..
الواقع الخدمي
وبالدخول إلى قلب المدينة نجد أن سوقها وتوزعها المعماري منظم بعض الشيء، فقلب المدينة أسواق ممتدة من الشمال إلى الجنوب، والمنطقة السكنية وتوسعها ممتدة بعدة أحياء حيث تبلغ مساحة المخطط التنظيمي للمدينة /824/هكتارا، ويضم /50/ألف نسمة.
وأفاد المواطنون الذين التقيناهم أن المشكلة الأساسية ضمن المدينة هي بتعبيد الطرق والأرصفة وواقع النظافة، وكثرة انقطاع الكهرباء وفي الكثير من الأحيان دون تنظيم، وطوفان الشوارع بالمياه أثناء الأمطار.
كما أكد البعض على مشكلة نظام ضابطة البناء الذي لا يراعي حجم مدينة بانياس وإغلاق المخطط التنظيمي بحده الأقصى وأهمية الأبنية الشاقولية، فلا يزال البناء المسموح /4/طوابق فقط حتى ضمن المناطق الجديدة حيث الشوارع المناسبة..
وضمن الواقع الخدمي تبيّن أن المدينة تحوي على كراج صغير جداً لا يتسع سوى لباصات (جبلة، اللاذقية، طرطوس) وغير مستثمر بشكل جيد سواء من الأكشاك أو الحمامات أو تلبية طلبات الشرب أو الأكل على اعتبار أن الطلاب ينتظرون يومياً في الصباح الباصات لوقت ليس بالقليل، بينما باصات القرى موزعة هنا وهناك في شوارع المدينة ودون أماكن مخصصة ولا يوجد فيها أبسط أشكال التخديم كالمواقف أو الأكشاك أو مدخل أو مخرج، لا شيء سوى باصات وجدت لها فسحة صغيرة فوقفت عندها.
منطقة صناعية.. بلا بنى تحتية
وفي المنطقة الصناعية، تبين أنها لا تزال خالية من المقاسم وغير مسورة وغير مفصولة بشكل صحيح عما يجاورها أي انها ليست مقتطعة و محددة وربما تشكل فيما بعد مصدر ضجيج كبير للجوار، ولا يوجد فيها سوى مقسمين, أحدهما من قام ببناء مقسمه وسينال جائزة من وزارة الإدارة المحلية على ذلك، والآخر يقوم بالبناء وأن المقاسم وزعها مجلس المدينة قبل تنفيذ البنى التحتية من ماء أو كهرباء أو صرف صحي، حيث يقوم المستثمر باستخدام صهاريج المياه للعمل وبناء مقسمه، بينما سيعمل على شراء مولدة للكهرباء من أجل الاستمرار بالعمل لأنه لا يريد أن يتوقف..
من ناحية أخرى تجد سوقي هال في مدينة بانياس وخاصة القديم نظيفا ومنظما ومقسما بشكل جيد، ولا يوجد فيه أي إشكالات تذكر كما ذكر التجار، فالنظافة ممتازة والحمامات جاهزة ولكن غير مخدمة، مؤكدين أنه المركز الرئيسي لتصدير البندورة.
وعند سؤالهم عن سوق الهال الجديد الواقع خارج المدينة في دير البشل، أكدوا أن الظرف الراهن أوقف العمل به، حيث كان من المقرر أن ينقل كافة باعة سوق الهال القديم إليه ولكن الأمر لم يتم حتى الآن، لافتين إلى وجود بعض الناس التي بنت عليه أكشاكا مخالفة «دون إذن أو دستور»..
القمامة تملأ النهر
أكثر ما يلفت الانتباه هو مجرى نهر بانياس الممتلئ بالأوساخ وبقايا المحلات والردميات بطريقة سيئة ومؤسفة، حيث يبدو أن القاطنين المجاورين للمجرى يعتبرونه مجالهم الخاص في رمي بقايا محلاتهم ومخلفاتها، دون أن يحسبوا أي قيمة للمكان على اعتبار أن المجرى خال من المياه، ولكن من المعلوم أنه يعتبر ذات قيمة معنوية..
تبرير مجلس المدينة
حديث الشارع في بانياس يؤكد أن مجلس المدينة غير متجانس, وعن القضايا التي ذكرناها التقينا رئيس مجلس مدينة بانياس محمد نصار خدام، الذي لم ينف حالة «عدم التجانس» لكنه أكد أن العمل يسير بشكل جيد، ولا شيء يعيقه، مشيراً إلى أن موازنة المجلس تبلغ/307/مليون ليرة ونسبة التحصيل لا تتجاوز 60%، وكتلة الرواتب كبيرة..
وعن قطاع النظافة أشار إلى وجود /127/عامل نظافة وصيانة ووجود /4/ضاغطات واحدة منهم معطلة و/9/جرارات أحدها خارج الخدمة.
وبخصوص الخدمات أكد أنه لم يتم منذ أكثر من ثلاث سنوات صيانة الشوارع والأرصفة أو شق شوارع جديدة ما أدى إلى اهتراء الإسفلت والأرصفة القائمة، إضافة إلى تضاعف عدد السكان في المدينة نتيجة استقبال أعداد كبيرة من الوافدين وما يصاحب ذلك من ازدحام في السكان والآليات، ما يجعل هذا المشروع هاما وضروريا وهو جاهز للتنفيذ فور توفر السيولة..
ولفت خدام إلى مشروع لربط المدينة من المدخل الشمالي بالكورنيش البحري بقيمة حوالي /500/مليون ليرة بعد زيادة الأسعار، حيث أن مدينة بانياس ساحلية سياحية وكون العقارات المطلة على البحر غير مخدمة بالشوارع يجعل تنفيذ هذا المشروع من المشاريع التي قد تغير الواقع الاجتماعي والسياحي للمدينة ويجعل منها عامل جاذب للاستثمارات السياحية حيث يخدم عدد اهائلا من العقارات تتجاوز /500/عقار، وهي حالياً غير مستثمرة نتيجة عدم وجود الشوارع والصرف الصحي وغيرها مع الإشارة إلى وجود طلبات استثمارية كبيرة وخاصة من رؤوس الأموال المهاجرة من بقية المحافظات لم نتمكن من تلبيتها نتيجة عدم وجود الشوارع والبنية التحتية.
أولويات..
وعن المشاريع الأساسية التي تنهض بالمدينة من منطقة صناعية وسوق الهال، أفاد خدام أنه تم تنفيذ جزء من البنية التحتية في مشروع المنطقة الصناعية (طرق، أرصفة، إنارة، وخزان مياه أرضي )، وبخصوص مشكلة المياه أكد أنه تم منح مدينة بانياس إعانة مالية بقيمة الكشف لحل مشكلة المياه بقيمة /33/مليون و/700/ألف ليرة ومؤسسة المياه ستنفذها بعد تحويل كامل المبلغ إليها وليس وفق الكشوف.
أما بالنسبة لشبكة الكهرباء اشار خدام إلى أن محولات الكهرباء مع التوتر والشبكة الداخلية تم دراستها من قبل شركة طرطوس ومخاطبة وزير الكهرباء عن طريق المحافظ لإمكانية تنفيذ هذا المشروع على حساب المؤسسة العامة لتوزيع الكهرباء.
واكد انه يتوجب على المجلس تسديد بدلات استملاك وأحكام قضائية على بدلات الاستملاك بقيمة /18/مليون, وحوالي /13/مليون ليرة للأحكام القضائية، وتم إعداد موازنة خاصة لعام 2016 بلغت /125/مليون ليرة لم توافق عليها محافظة طرطوس حتى تاريخه، على اعتبار أن إيرادات المنطقة حتى تاريخه /150/مليون ليرة، علماً أنه تم إفراز /345/مقسماً موزعة على مختلف المهن والصناعات والحرف وفق المخطط التنظيمي، وتقوم البلدية بتقديم المياه بواسطة صهاريج وتعطي الموافقة على تقديم عداد كهربائي صناعي مؤقت للأخوة الصناعيين الذين يقومون بالبناء حالياً..
أما مشروع سوق الهال الجديد الواقع في دير البشل والممتد على مساحة /100/دونم، أكد رئيس مجلس مدينة بانياس أن المشروع مدروس وجاهز منذ /3/سنوات وهو بقيمة /300/مليون ليرة بعد زيادة الأسعار، حيث تم تخصيص حوالي /120/دونما للمشروع من أراضي أملاك الدولة، منوهاً لأهميته كون الساحل مركزا لتجارة البندورة والخضروات الباكورية، لافتاً إلى أن ظروف الحرب أوقفت العمل به ولم يتم تخديم الموقع.
وبخصوص الأكشاك المخالفة نوه إلى أنه تمت مخالفتها وتم تنظيم عقود مؤقتة مع المخالفين.
وعند سؤال رئيس مجلس المدينة عن سوء واقع مجرى نهر بانياس وتراكم القمامة ومخلفات المحلات عليه، لفت إلى أنه تم تنظيف المجرى ثلاث مرات هذا العام، وستعمل البلدية على إزالة المخلفات بالتركسات.
وعن سوء حال الكراج وتبعثر السرافيس بالمدينة، أكد خدام أن مجلس المدينة قام بتخصيص /38/ دونما ككراج انطلاق جديد، ولكن تم تخصيصه لاغراض أخرى والمناطق الحالية إسعافية ولا يمكن تخديمها.
ونوه الى ان المجلس قام بسحب أعمال مشروع الصرف الصحي الخاص من المتعهد وتنفيذ إكساء شوارع ضمن المدينة بنفس القيمة المذكورة بعد الحصول على الموافقات اللازمة.
وبالنهاية لفت خدام إلى وجود أضابير مدروسة للتعبيد والأرصفة وأخرى لمشروع شارع بطول /6/كم لتخديم المدينة الصناعية بانتظار التمويل.
وعن مشكلة نظام ضابطة البناء، كشف خدام إلى أن المخطط التنظيمي لمدينة بانياس مغلق أي أن المخطط الحالي هو الحد الأقصى كون المدينة محاصرة بالبحر والجبل والمحطة الحرارية والمصفاة، وبالتالي الحاجة ملحة وضرورية للتوسع الشاقولي، موضحاً أن لجنة من البلدية ومجموعة من المهندسين قامت بتنظيم مقترح لذلك، ولكن تبين وجود خطأ بالدراسات وبالتالي تم تأجيلها حتى إعلان /2018/.
لذوي الشهداء..
خدمة لذوي الشهداء في كامل قطاع بانياس قام المجلس منذ عام /2014/ باستحداث مكتب لهم وتنظيم سوق أكشاك يستوعب /400/كشك لذوي الشهداء وصدرت الدفعة الأولى ب/200/طلب وإعطاء حوالي /150/كشكاا على سور مساكن المصفاة وضمن حديقة الشرطة والكورنيش البحري الجنوبي، وتدشين لوحة الشهداء بأسماء شهداء منطقة بانياس جانب دوار المركز الثقافي، إضافة إلى نصب تذكاري للشهداء في المكان، وتنظيم /80/عقد امؤقتا لذوي الشهداء و/25/ عقدا مؤقتا للجرحى.
التلوث
من المعلوم أن مدينة بانياس تعاني التلوث الهوائي والمائي من المحطة الحرارية ومصفاة بانياس، فوفق الدراسات تنتشر الكثير من المواد الملوثة كالكبريت والرصاص وهباب الفحم، وهذا التلوث البيئي يؤدي الى أمراض رئوية حادة كالتهاب القصبات والسرطانات، وقد أكد عدد من أبناء المدينة أن التلوث يصل لدرجة غير مقبولة والدليل الشحار الأسود الذي يملأ المدينة وأسطح المنازل السوداء، وهنا يتساءلون إن كان حال السواد لف المكان هكذا، فكيف الحال مع رئة الإنسان؟؟
ومن ناحية التلوث المائي فمصفاة بانياس تعتبر ملوثاً رئيسياً في المنطقة الساحلية، فهي تطرح فضلاتها الصناعية السائلة عبر خط أنابيب مشترك مع محطة بانياس للنفط في البحر مباشرة، وتنتج الفضلات السائلة عن العمليات الصناعية، وفصل الماء عن النفط الخام في خزانات التخزين، وتجري المياه السطحية ملوّثة بالتسرّبات التي تفيض عادة عن أحواض الاحتجاز خلال فترات الأمطار الغزيرة..
كما تحوي الفضلات المائية لشركة نقل النفط مياهاً سطحية ملوّثة بفائض الهيدرو كربونات التي تنشأ من الماء المفصول عن مشتقات النفط في خزانات التخزين ومن التسريبات حول الخزانات النفطية كما لا تجري أي معالجة لمياه الصرف على فضلات محطة بانياس لتصدير النفط..
ووفق الدراسات فإن محطة بانياس الحرارية لتوليد الكهرباء تطرح مياه الصرف من أربعة مصادر هي المياه الناتجة عن إزالة قساوة المياه، ومياه العمليات الصناعية، وتنفيس المراجل، وفائض المياه السطحية الملوّثة بالهيدرو كربونات من التسربات حول خزانات الوقود..
وحث الاهالي الجهات المعنية في المحطة الحرارية بوضع فلاتر للتخفف من موضوع التلوث بهباب الفحم, أو نقل المحطة بشكل كامل للعمل بالغاز الطبيعي والصيانة الدورية للآلات والمعدات وإخضاع العمال في الشركات النفطية للفحوصات الدورية وعزل المرضى منهم..
وبعد..
هذا هو حال بانياس.. ما تزال على أساساتها الأولى، بانتظار انطلاقة جديدة قوية كمدينة ساحلية سياحية، سواء بالتنظيم أو الخدمات أو الاستثمار..
والحال اليوم كما هو ذاته منذ عشرات السنين، والسير ببطء شديد في تطوير أي جزء أو خدمة أو ميزة فذلك يعني الكثير من الوقت والمال والخطط والأجيال..
ويأمل الجميع أن يكون الكراج والمنطقة الصناعية والمدارس الجديدة وسوق الهال الجديد ونظام ضابطة البناء والكورنيش وغيرها الكثير على أرض الواقع لأن بانياس تستحق التطوير والعناية الدقيقة لكل المرافق لتظهر على شاطئ المتوسط مدينة تعطي لأبنائها ميزة أولاً وتكون منافسة لمدن المتوسط ثانياً.
عن صحيفة الثورة