ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
استنفدت إدارة أوباما الوقت المخصص في أجندة السياسة الأميركية في الحديث عن اتفاقات أو تفاهمات، وأعلنت القطيعة مع السياسة وأدارت ظهرها لكل الجهد الدولي السابق منه واللاحق،
وإن أبقت على “شعرة” التهدئة الدبلوماسية التي لا تنفع حتى لحفظ ماء الوجه، و”يممت” وجهها شطر المرتزقة والإرهابيين والمشغلين وجميع من بقي من أدوات في السياسة والإعلام والميدان، وصولاً إلى إطلاق إشارة البدء للإرهابيين – بتصنيفاتهم المختلفة- بالتصعيد وإن خصّت داعش من دون سواه بتعويذتها المنتظرة ..!!
فالنفي الروسي لأيّ اتفاق مع الأميركيين لم يكن خارج سياق المقاربة الميدانية المعتمدة، التي أرادت من خلالها واشنطن أن تعيد ترتيب حساب النقاط على حلبة المواجهة، وإنّ انسحابها المبكر ليس عفو الخاطر ولا هو مجرد تعبير عن إفلاس سياسي بقدر ما يعكس جملة من الإخفاقات الناتجة من عقم في المحاكاة الأميركية ليوميات الوقت البدل من الضائع، التي استبدلتها بساعات العمل الدائم والحثيث على زرع ما يكفي من مفخخات في السياسة تكفي لإشغال أي حراك قادم حتى إشعار آخر.
وجاء التصعيد الإرهابي من تدمر ممراً إلزامياً أرادته واشنطن محطة في سياق اختباراتها للرد الروسي على الخيارات الأميركية، وربما امتحاناً لمدى قدرة روسيا على المواجهة في جبهات مفتوحة على الاحتمالات، ومتعددة في الجغرافيا، والتي أفضت إلى الجزم بأنّ المهادنة في الدبلوماسية لا تعني ذاتها في الميدان، وأن التسليم الأميركي بخسارة حلب ليس فاصلة معزولة أو إشارة عابرة إلى النهاية المنتظرة، بقدر ما كان جولة في سلسلة غير متناهية من الجولات التي تقارب في وجودها وعناوينها ما يجري من انتقاد علني لسياسة الإدارة الأميركية الحالية، والتي تموضعت على خرائط احتل أغلب محاورها عنواناً أساسياً هو السخط السياسي الناتج عن الإحباط من المردود المتواضع للسياسات الأميركية، والخيبة المزدوجة من الاعتماد على حروب الوكالة التي تلوح في الأفق مشاهد إفلاسها.
التسريبات والتحليلات الإعلامية الأميركية بنسختها الاستخباراتية لم تخرج في استنتاجاتها عن هذا المنحى، وإن كانت تريد المداورة عليه، واستبعاد ما يجري من الأجندات الموازية له في دبلوماسيتها التي تتذمر وفق تعبير كيري من عبثية المحاولة التي طالما اصطدمت بسقف التمني الأميركي والتعويل على دائرة من الوهم تتسع وتكبر على ذيول المشهد وترتيباته المختلفة، وهذا يتقاطع إلى حد بعيد مع الإضافات الحصرية في التحليل التي خصت بها الصحافة الغربية نفسها من دون سواها، ووجدت في وصول داعش إلى تدمر من جديد فصلاً نوعياً يستحق الإشادة بـ”حنكة” اللعبة الأميركية التي تبدو أصعب من قدرة الشركاء الآخرين على التقاط خيوطها.
الإرهاب الذي طال تدمر لم يكن خارج التعويذة الأميركية المسلمة لداعش يداً بيد مع الدعاء العاجل بقصر المسافة وطول الزمن!! لتكون مستنسخاتها أبعد من حدود ومساحة التوجس المؤقتة، ومن ثم فهي ليست أبعد من جردة أميركية -ولو متأخرة- لأدوار وظيفية تم تذخيرها على مدى السنوات التي انصرمت من دون عنوان يشفي غيظاً أميركياً مكتوماً بعد أن أهدرت النتائج ماء الوجه الأميركي، وما بقي من رصيد اعتباطي لا يكفي للحفاظ على حدود التسليم للإدارة القادمة، ولا بد من بعض المدخرات الإضافية.
لا أحد بمقدوره أن يتجاهل قدرة الأميركي على الإمساك بخيوط وتفاصيل المشهد الإرهابي، وإن كان هناك من يتراءى له غير ذلك، ولكن ثمة أسئلة موغلة في السذاجة عن تلك الأساطير التي يريد الأميركي أن يقنعنا بترهاتها: أنّ داعش ذاك الاخطبوط المتحرك في صحراء مفتوحة.. والذي حشد الآلاف من إرهابييه.. وقطع ما قطع، وحشد ما حشد، واستغنى عما استغنى.. وجبهات أميركا تلاحقه من الموصل إلى الرقة من دون أن يعطي للأميركي علماً أو يأخذ منه إذناً أو يتلقى أمر عملياته..؟!!
خيط الدبلوماسية التي أصرّت واشنطن على إبقائه رغم تهتكه غير مرة جاءت تعويذتها لداعش لتقطع ما تبقى منه، وإحباط كيري أو تذمره ليس سوى حلقة أخرى في متاهة البحث عن مفردات تصلح لتكون إشارة البدء، أو بعبارة أوضح أن تكون كلمة السر المتفق عليها للتصعيد الإرهابي وتعويض الانتكاسات والخسارة قبل أن تعلن حلب الإنجاز المنتظر.
a.ka667@yahoo.com