ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
جددت أميركا لأوباما رئيساً للولايات المتحدة الأميركية لأربع سنوات قادمة، وهي تجدد رغبتها في تعديل تقاليد اعتادتها على مدى عقود خلت،
حين لم تكتف بانتخاب أول رئيس من أصول أفريقية، بل أعطته تفويضاً لولاية جديدة، لا تكتفي بترسيخ سابقة في العرف الأميركي، بل أيضاً تحمل مضامين هذه السابقة وقد تسحبها على السياسة الأميركية.
أوباما الجديد قد لا يختلف كثيراً عن أوباما القديم إذا ما كان المنطق هو الحكم، لكنه قد يكون مغايراً إلى حد الاستدارة الكاملة إذا ما كان المعيار وعود خطاب النصر.
الثابت أن المتغير الأميركي لم يقتصر على ذلك التجديد الشخصي بدلالته، بقدر ما يعكس رغبة واضحة في توظيف هذا المتغير نحو إعادة بناء الذات الأميركية على أسس تختلف – على الأقل في أولوياتها الداخلية – عن الدوافع التي ترسم سياستها الخارجية.
وإذا كان من المبكر الحكم على توجهات الانكفاء نحو الداخل كأحد العناوين المهمة في السياق الذي كرسه فوز أوباما، فإن خطاب النصر يلقي بظلاله، ويثير زوبعة من المفاهيم الجديدة في إطار السعي الجاد لتقديم صورة أميركا المختلفة والمنصوص عنها في تعاليم المسلمات لهذه السياسية خصوصاً في المنطقة.
في القراءات الأولى لم يكن خافياً على أحد تلك المساحة التي خصصها أوباما لمحاباة إسرائيل في حملته الانتخابية، كما لم تكن غائبة عن الذهن الاعتبارات التي حكمت هذه المعضلة التي واجهها سائر الرؤساء الأميركيين دون استثناء، والتي أنتجت خطاباً أميركياً انتخابياً تشابه فيه المرشحون كما تلاقى حوله الرؤساء السابقون في محاكاة العلاقة الأميركية – الإسرائيلية.
وفي الوقت ذاته لم تكن المواجهة المستترة مع حكومة نتنياهو غائبة عن أذهان الحملة الديمقراطية، ولا عن إدارة الرئيس أوباما ذاته، بما في ذلك الحسابات والنتائج المترتبة على هذه المناكفة التي نجح أوباما في إبقائها خلف الستار، لكنه كان عاجزاً عن إطفاء ما يتّقد منها تحت رماد المصالحات المؤقتة التي ارتسمت لبعض الوقت في انتظار ما ستسفر عنه الانتخابات.
اليوم مع خطاب البحث عن خيارات الانكفاء إلى الداخل، تبدو السياسة الأميركية تجاه المنطقة محكومة باعتبارين أساسيين الأول يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل نتنياهو، والثاني بالعلاقة مع الإرهاب، وتالياً حدود التلاقي والتقاطع ومساحات الافتراق والاختلاف.
فالواضح أن العلاقة الأميركية بالإرهاب لم تعد فقط في إطار التخمينات والافتراض أو الاستنتاج، بل تحكمها معطيات وقراءات ووقائع رسمت سقفاً واضحاً للسياسة الأميركية، وبرزت بشكلها الفج في الحرب التي أوكلتها لأدواتها في المنطقة تجاه سورية وتداعيات التفاهم الأميركي مع المد الأصولي والتطرف الإرهابي، أو ما اصطلح على تسميته المصالحة مع التنظيمات الإسلامية وأخواتها بما في ذلك تنظيم القاعدة ومشتقاتها الأكثر ظلامية من الوهابية إلى التكفيرية.
على وقع تلك المصالحة، فتح الإرهاب ذراعيه، ومد بساطه المحمول على أجندات وجداول أعمال وجلسات مغلقة ومفتوحة، وامتدت الأيدي والتصريحات والمواقف والممارسات لتفسح له أن يولغ في دمائنا على لائحة تتسع فيها الهوامش، كما تكثر الملاحظات وأحيانا النصائح!!.
وفيما إسرائيل تقف في الضفة الأخرى تجري مقارناتها وتعقد صفقات الضمانة بأن شيئاً لن يتغير، وأن القضية الفلسطينية ليست في أولويات تلك التنظيمات، ولا هي على لائحة اهتماماتها، برزت نقاط التقاطع مع المسعى الأميركي، لتكون المصالحة أعمّ وأشمل بحيث يصبح التجديد الأميركي لأوباما أحد العناوين التي تتلاقى بها ومعها حين تبقي على أميركا القديمة الداعمة لإسرائيل حتى النهاية!!.
الفارق أن الأميركيين الذين جددوا ثقتهم باوباما لديهم جدول أولويات مختلف، ولائحة اهتمامات مغايرة، ولا يبدون مستعدين لأي مقاربة تعكر عليهم تسلسل تلك الأولويات أو تعدل في برنامج اهتماماتهم الأكثر إلحاحاً، وإذا تسامحوا في الولاية الأولى عن الكثير من الهوامش غير المنضبطة وحتى الأخطاء، فإن التحديات التي تواجههم لا تتيح لهم هذه المرونة.
ومن الطبيعي أن يصطدم أوباما الجديد بأميركا القديمة في الملفات العالقة خصوصاً حيال المنطقة.. وحتى يتمكن الأميركيون من المواءمة المستحيلة.. سيبقى الصفيح الساخن للسياسة الأميركية بنسختها القديمة حاضراً حتى إشعار آخر!!.
a-k-67@maktoob.com