ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
لم تخلُ التصريحات الخارجة من اجتماع خبراء الدول الضامنة في آستنة من إضافات كمية ونوعية للأسئلة، التي تتراكم في الكفة ذاتها التي عجزت عن الإجابة عنها الجولة الأولى، رغم الحديث الأممي عن نجاح الاثنتين وبالطريقة ذاتها،
فيما كان دخول الأردن يعيد إنتاج الأسئلة بطريقة تبدو أقرب إلى الأحجيات، في ظل هذا التهافت سواء جاء بعيداً عن الأعين الأميركية، أم كان بفعل رغبة أميركية بالإبقاء على عيونها داخل الاجتماع..!!
في المحصلة نحن أمام وعود سبقتها وعود أيضاً، وبينهما جرت جملة من التطورات، أغلبها لم يكن يصب في كفة هذا التقييم، على الأقل من ناحية التموضع الفعلي للتنظيمات الإرهابية على خريطة الإحداثيات داخل وخارج جبهة النصرة، فبعضها لم يعد له وجود، وكثير منها بات خارج الحسابات الميدانية، وما تبقى منها ليس أكثر من نسخة مشوهة للنصرة وأكثر تطرفاً منها، بل إن هذا المتبقي يعمل على حساب أجندات لا تتوافق بالضرورة مع النسخة التركية ولا تتقاطع مع معادلاتها القائمة الآن.
الأخطر من هذا وذاك أن المقاربة التي تحدثت عن الدور الأردني لا تتعلق بسياق حضوره الفعلي، ومقدرته على التأثير في أجندات التنظيمات الإرهابية التي يدعي تمثيلها في شقها العملي، بقدر ما يبدو ممثلاً عملياً لتنظيمات إرهابية تدين بوجودها لإسرائيل أكثر مما تعترف بالدعم الأردني الذي يبقى في أكثر مراحل وجوده مجرداً من أي إضافة مادية أو عملياتية، ويقتصر على حضور سياسي توكيلي سبق أن ناله بالتوافق مع أميركا وإسرائيل على حد سواء، وما قدمه من رغبات أو تعهدات وحتى «ضمانات» جاء مكتوباً بالخط الإسرائيلي أكثر مما يعبر عن الخط البياني المتصاعد للأردن بعد زيارة واشنطن وما حملته من دعاية أرشيفية باعتباره أول قادة «الاعتدال العربي» الذين يلتقون ترامب، ولو اقتصر على بضع دقائق ومن دون أن يحضر الإعلام أو يوثق الابتسامات التي ستبقى مجهولة حتى إشعار آخر.
بهذا المعطى تبدو الجولة التقييمية على مستوى الخبراء محكومة بالنيات أكثر مما هي مبنية على الوقائع والمعطيات، وفي تجربة النيات تغلب المرارة على كل ما سبقها، وتبقى كذلك على جميع ما سيلحق بها، خصوصاً حين تكون خاضعة للمتاجرة ومعروضة للبيع والشراء في سوق المبازرة، حيث القدم التركية التي تضعها حول الطاولة في آستنة هي ذاتها المتأهبة لتكون مع الأميركي حيث يريد، أو عندما يؤشر، وفي ذلك ما يكفي للوقوف أمام نتاج افتراضي لا يزال يجترّ في الموضع ذاته، حيث الفصل بين الإرهاب والإرهاب يقوم على أسس تتقاطع فيما بينها، وتكاد تختفي الفروق لتضيف إلى الأحجيات التي تحكم عمل أي مسار مزيداً من المفخخات السياسية القابلة للانفجار حين تقتضي الحاجة او يتطلب المشهد ذلك.
وبالقياس إلى تسارع المواعيد واللقاءات المفترضة في آستنة تتسارع الاحتمالات وبالقدر نفسه بتأجيل أو ترحيل جنيف، لأن ما يحول دون إنجاز اتفاق واضح ومحدد وإخراج ما يصبو إليه إلى العلن يبقى هو ذاته الذي حال دون نجاح جنيف بنسخه المتكررة، وهو نفسه الذي أدى إلى أن يبقى مجمل ما تفرع عنها أو كان متمماً لها يدور في الحلقة المفرغة، حيث الفارق في الموعد أو التوقيت أو المكان أو الشكل ليس كافياً ليكون مختلفاً.
في جردة حساب إضافية تفرضها إيقاعات الحديث عن آستنة وجولاتها على مستوى الخبراء أو الوفود، تصل بنا الاستنتاجات إلى حيث كانت التوقعات تقود، وإلى حيث يبقى بصيص النور مطلاً في آخر النفق، ليس من باب التفاؤل، بل من منطلق الإيجابية في التعاطي مع مختلف الجهود، علّها تفلح في نقل ما صنعه الميدان بتضحيات السوريين وحلفائهم وأصدقائهم إلى الطاولة كما هو من دون تأويلات أو ترجيحات، ومن دون تعويل على تحوير ما تحقق، حيث ما يرسمه الميدان يبقى عصياً على النيل ولو حضرت أباليس النيات في العناوين وشياطين النفاق في التفاصيل.
أولوية مكافحة الإرهاب ستحضر بلغة السياسة.. وأول مفرداتها وقف التمويل والتسليح والدعم، وليس فقط الفصل بين الإرهاب والإرهاب على مقاس المحاصصة السياسية لأجور الوكلاء أو وفق أجندات اللاهثين خلف تبييض صفحة غرف إدارة الإرهاب، فالأردن ليس كافياً منه أن يقدم الضمانات بالإسم المستعار أو الأصيل، والنظام التركي ليس المؤهل ليكون حامل راية مكافحة النصرة وداعش اللذين كانا وسيبقيان عكازاً تركياً يصح تأجيره لبعض الحين، لكنه ليس صالحاً للاستخدام أو ورقة للابتزاز والمساومة والمبازرة كل حين..!!
a.ka667@yahoo.com