ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحريرعلي قاسم:
أثارت ما سميت اصطلاحاً قاعدة التنف الكثير من الجدل، بعد أن كانت موضع نقاش شهد احتداماً على مستويات إقليمية ودولية، وصل إلى حد المواجهة في أكثر من مرة، واقتضى في أحيان أخرى سحبها من التداول الإعلامي والسياسي،
مضافاً إليه سلسلة لمّا تنتهِ بعد من التكهنات حول مصيرها والدور المنوط بها أميركياً، حيث جسّدت في مرات عديدة جزءاً من صورة الكاوبوي الأميركي وتعاويذه التي احتضنها الكنف الملكي الأردني، وأضاف إليها بعضاً من أحجيات العلاقة المريبة بدءاً من داعش، وليس انتهاءً بمغازلة النصرة.
بين الحديث عن الدور الاستخباراتي والوظائف اللوجستية لتلك القاعدة الغامضة في الدور الجغرافي، و التسريبات المتلاحقة عن تلاشي الوجود الأميركي فيها، ثمة متاهة من الأكاذيب الأميركية والأردنية التي لا تنتهي فصولها، بدءاً من عمليات المرتزقة المحسوبين على الجانب الأردني، وليس انتهاءً بمهمة اللعب في تفاصيل الجغرافيا من أجل التمهيد لعمليات داعش الأخيرة على طول خط البادية وما يليها، وإعادة تعويمه زمنياً على الأقل.
في المعلومات الاستخباراتية والعسكرية التي أوردتها المصادر الروسية الرسمية ما يفيض عن الحاجة لمعرفة المهمة الموكلة إليها أميركياً، بحكم التفاصيل الدقيقة المغرقة في جزئياتها، والتي تنطوي على أدلة وقرائن متقنة في العلم الاستخباراتي وموثقة في الفهم السياسي لذلك الدور، حيث داعش هنا ليست حليفاً معتمداً بالتوافق الأميركي الأردني، بل شريك، وأحياناً يصلح ليكون الوكيل المعتمد، بعد أن أفلست سائر الأدوار، بما فيها المرتزقة التي سمنتها الأردن، لتكون ذراعها الممتدة في الجغرافيا السورية.
لكن ذلك لا يجيب عن كل الأسئلة التي تثار حول النيات الأميركية المتأرجحة في الاعتماد على تلك القاعدة لتكون الشكل الجديد من الابتزاز السياسي، والمماحكة العبثية على أدوار تقزَّمت إلى حدّ أنَّ الكثير منها بات عبئاً على الأميركيين، والكثير من حلفائها أداروا ظهورهم للفكرة الأميركية، وأعلنوا سحب ما تيسَّر لهم من أفراد وأشخاص وضباط تنسيق واستخبارات ونخب عسكرية بمهمات تتجاوز الدور الوظيفي للعلاقة التي افترضتها واشنطن لاحقاً، حيث الفارق ليس في الفشل المدوي للفكرة، وإنما في التداعيات التي تلاحق الدور الغربي في العلاقة مع داعش، وانكشاف جزء من الساتر الذي كان يتخفى خلفه الكثير من الأدوار الأوروبية والإقليمية.
ما يضاف من تفاصيل كانت تتعمد الإدارة الأميركية أن تبقيه غامضاً، هو الذي يشكل الكتلة الصلبة داخل تلك الأحجية السياسية التي تقود إليها الممارسة الأميركية على الأرض، كما هي في السياسة، حيث المتاهة لا تتعلق بغياب التوجه الواضح للإدارة الأميركية، بقدر ما تعكس سياقاً تنفيذياً لدور وظيفي اعتادت أن تقوم به المرتزقة، التي لا يضيرها ولا تتهيب من التعاون الوثيق مع داعش، حالها في ذلك حال الكنف الملكي الذي يقدم لها الحماية والرعاية، وهي تجسد تكاملاً في الأدوار التي ترسمها الإدارة الأميركية لتكون على مقاس المتغيرات، حيث التنف ليست بقعة جغرافية تتآكل فيها الحسابات الخاطئة، وتتوه في تفاصيلها المعطيات الرقمية، فتخطئ في رسم إحداثيات تقنية لدورها، وإنما عناوين بدت حتى وقت قريب مجردة من أي إسقاطات تتجاوز الدور المنوط بكل الأدوات العاملة في السياق الحيوي الأميركي وهوامشه الإضافية التي تفوق في الأغلب ما تطالب به أميركا، وما يفيض عن حاجتها.
وهذا ما يفسر إلى حدٍّ بعيد بعضاً من المتغيرات التي طرأت على المقاربة الأردنية بخصوص الموقف من التنظيمات الإرهابية التي ترعاها، حيث إناطة الدور بالإسرائيلي وتسليمه دفة التوجيه المباشر لا يغير في المعادلة التي تحاول الأجهزة الأردنية أن تغتسل خلالها من علاقتها بغرفة الموك وما ينتج عنها، وخصوصاً بعد التسريبات الأخيرة عن الخلاف المفتعل معها على معبر نصيب، باعتباره ورقة مبازرة سياسية، يحاول الأردن الرسمي أن يبيع فيها ويشتري، أو على الأقل أن يساوم عليها في سياق التحسب لأي تطورات قد لا تكون محسوبة، فما تحفَّظ عليه وحاول أن يداور على تفاصيله، يتكفل الإسرائيلي بإماطة اللثام عنه، وما كان يتحرج من الإقرار به، يأتي الكاوبوي الأميركي ليشهره على رؤوس الأشهاد.
عودة التنف إلى واجهة المشهد وحضورها المباشر في التصادم الإعلامي بين أميركا وروسيا لا تخلو من محاولة ترتيب إضافية لأوراق كادت تفقد قيمتها، وحتى ضرورتها، ولا تخرج بأي حال من معادلات التفكير التي تحاول أميركا أن تعوّض جزءاً من خسائرها على مستوى الميدان، وقد يكون فصلاً جديداً من فصول المبازرة على حصص وهمية في سوق المرافعات السياسية في الداخل الأميركي، كما تصلح للمحاججة مع الأوروبيين الذين يفقدون رويداً رويداً ثقتهم بالتدبير الأميركي، حيث آخر ما كانوا ينتظرونه أن يزجَّ الأميركي ورقة داعش كخاتمة لمشهد إفلاس يلوح في الأفق، ويتردد صداه داخل الكنف الملكي الأردني.
a.ka667@yahoo.com