ثورة اون لاين: عام مضى… وعام قادم يفرد أوراقه على عجل، وغالباً دون استئذان، ويرمي شباكه في قلب الأحداث مستعيناً بما أمطرته الأيام والشهور التي انصرمت، بعد أن اتكأ طويلاً على مساجلات مفصلية في التاريخ، وتقاذفته الاحتمالات والاستنتاجات من ضفة إلى أخرى.
السوريون الذين أحصوا ساعاته، وعدّوا دقائقه، وحفظوا تواريخه بأيامها وشهورها، بلحظاتها.. وبانفعالاتها، يسجلون في ذاكرتهم أنه كان استثنائياً في تكالب المتربصين ومرتزقتهم وأُجرائهم وإرهابييهم…. واستثنائياً في الصمود، فكان عاما للبصمة السورية على مسرح الكون كله، وقد اعترف بها القاصي والداني.
في عام 2012 سجلوا أنهم صمدوا وأنهم صبروا وأنهم قاتلوا في ميادين الحياة وعلى جبهاتها المختلفة من السياسة إلى الإعلام إلى الدبلوماسية، ومن لقمة الخبز إلى الاقتصاد والمعرفة والثقافة والتاريخ والجغرافيا… صمدوا في مدارسهم وجامعاتهم ومعاهدهم ومكاتبهم وأماكن عملهم…. في الطرقات والشوارع والأزقة.. وفي بيوتهم التي كانت أيضاً هدفاً للإرهاب.
سجلوا أنهم كانوا أقوى من المتآمرين وأصلب من المؤامرة، وخطوا بإرادتهم مسار المواجهات الكبرى التي ارتسمت فيها معالم اندحار الحرب الكونية وانكشاف أعداء السوريين بأطيافهم وألوانهم وجنسياتهم التي جمعت فلول الطامعين بعودة تاريخهم الاستعماري البغيض، وأباطرة الباحثين عن عثمنة على المقاس الأميركي والإسرائيلي في نسختها المعاصرة ، وتطوي بين أجنحتها أغنياء الشمال ومستحدثي النعم في الجنوب، إرهابيي الغرب والشرق، وما بعد الغرب وما قبل الشرق.
من الصمود الأسطوري إلى الانتصار المنتظر يعبرون من عام إلى عام، ويقينهم صنعوه بأيديهم، وانتصارهم يخطون سطوره الأولى على قائمة التاريخ الذي يفرد مع إطلالة العام الجديد صفحاته ليسجل: هنا صمد السوريون.. وهنا يكتبون وجهاً آخر للحياة رغم الغدر والظلم والعدوان.. عناوين للتمسك بالوطن وترابه وبقراره الذي ينطق أن سورية كانت ولا تزال وستبقى حجر الرحى كما هي عمود السماء.
في الأسطورة كانت سورية وكان السوريون.. وعلى أرض المواجهة كان السوريون كما يريدون أن تكون سورية وجهاً آخر للصمود الأسطوري في حرب كونية لم تشهدها البشرية من قبل… وفي تقرير وجود أراد الشر أن يلغيه، وأرادت الأطماع أن تحتكره، وعملت أوهام الكثيرين على استنزافه.
لكنها سورية بهذه الإرادة التي تحتضن مفردات الإيمان بوجودها ودورها وحضورها الإنساني والحضاري، وبتأثيرها السياسي والجيوسياسي، تحدد اليوم الخارطة القادمة لمشهد لن يكتفي بحدود ما يجري في المنطقة، بل على امتداد العالم، وستكون مادة للتدريس في معاهد جهدت ومراكز بحوث دأبت وحاولت وتنبأت وفشلت.
عام قادم سيودع فيه أبطال المسرح التآمري منصات الأضواء ليُركنوا في الزوايا المنسية التي خرجوا منها في لحظة غفلة من التاريخ، وسيسجل غياب أصوات بُحّت ومنابر اعتلتها شراذم وأشباه ساسة ومنظرو مشاكل وحاملو رسائل خاطئة في العنوان والمضمون.
عام الأوراق السورية يكمل فيه السوريون ما تأخروا فيه بعض الوقت، ويستدركون فيه ما فاتهم إلى حين، ويضعون النقاط على الحروف التي لم تستقر بعد ويخطون الكلمات التي لم تكتب إلى الآن بعناوين توضح من جديد أن سورية كانت وستبقى كما عهدها التاريخ وكما سجلتها صفحات الحضارة موطناً جديداً قادراً ومقتدراً.. أميناً وآمناً.
بقلم رئيس التحرير علي قاسم