ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
لم يكن الطريق باتجاه سوتشي قادراً على الجزم بحجم العقبات والعراقيل التي تم افتعال الجزء الأكبر منها، وإن كان بعضها أو معظمها قيد التوظيف السياسي، وفي جزء آخر قيد الافتراض المسبق، بحكم الأجندات التي كانت معلنة قبل أن تبصر فكرة سوتشي النور بفترة ليست قليلة،
ويضاف إليها ما أثير حولها من نقاشات وأسئلة كان من الصعب الإجابة عنها في حينه، ولا يزال البعض الآخر من تلك الأسئلة قيد الانتظار.
فالمحاكاة الفعلية لسوتشي كفكرة من قبل منظومة العدوان، أو كطرح يحتمل جانباً من المبادرة، لم تنتظر موعد الانعقاد ولا تاريخ الإقرار الفعلي، ولم تأخذ بالمشهد الافتراضي الموازي لها فحسب، بل كان التصويب عليها مسبقاً قبل أن تتوضح ملامحها، وقبل أن تتحدد هويتها السياسية، باعتبار أن الطرح يسحب البساط من تحت أقدام منظومة العدوان التي أغرقت جنيف في سياسة التسويف والمماطلة، ويُشكل اختراقاً في العرف الدبلوماسي، لجهة الجرأة التي رافقت الطرح من منظور أن المعطيات الميدانية لم تكن تتيح تلك المساحة من الرؤية، بينما عانت الظروف السياسية من تآكل في أوراق تلك المنظومة، وتوقف الزمن لديها عند جنيف من دون أي تحسينات تذكر، وافترضت بكثير من سوء النية أن الوقت لا يتسع «للترف السياسي» كما تَبادَرَ إلى ذهن البعض، والبعض الآخر حمّلها أكثر من ذلك بكثير.
المقدمات الأولية لسرعة التحرك الغربي وتكثيف المحاولات المحمومة باتجاه وقف الزخم في تسارع الخطوات العملية باتجاه سوتشي لم تكن مفاجئة في شكلها ولا مضمونها، بدءاً مما سربته الولايات المتحدة الأميركية من ورقة افتقدت للحد الأدنى من شرعية التمثيل فيها، والأسباب الموجبة لها، وليس انتهاء بإعلان معارضة الرياض أو ما سميت اصطلاحاً «هيئة المفاوضات» رفضها المشاركة، مروراً بحالات التصعيد والتسخين الميداني التركي الأميركي والممارسات العدوانية والعدائية، وصولاً إلى التردد الغربي والهواجس السياسية وغير السياسية الحاضرة بقوة في تفاصيل المقاربة الغربية، والتي لم يكن خارجها المبعوث الأممي الذي حشر جولة فيينا في زاوية لم تكن لها، ولا تحتمل مثل هذا الإحراج في مخرجاتها.
الأدهى أن يكون الرهان الغربي محكوماً بهذا القدر من السذاجة، الذي عوّل من خلاله على طرح سياسي مبتذل وخارج عن أي منطق، ولا يستند إلى أي عوامل موضوعية، وفاقد لشرعية الطرح والمقاربة والمحاكاة، إذ ما عجزت عنه منظومة العدوان التي كانت تعاني تخمة مما تمتلكه من أوراق.. وتواجه مأزق الفائض في موازين ومعايير الحسابات في الميدان والسياسة، لن تحققه وهي تواجه استعصاء واضحاً في خطابها السياسي وفي أوراق التفاوض، والأهم في معادلات الميدان، وما كان مرفوضاً أصبح غير قابل للنقاش من أصله.
الأهم أن كل ما طرحته الورقة الأميركية وأدواتها «الفضيحة» وكل ما استجمعته من عوامل منفّرة، قد تجاوزته الأحداث والتطورات وصار خلفنا، وبات من الماضي، والدليل أن سوتشي تكاد تنفض يديها من كل ما يمت بصلة له، لا تأخذ منه.. ولا تستظل بما فيه.. ولا تقبل به، وهذا الرفض هو أحد العوامل المرجحة كي تنجح سوتشي في الخروج من عنق الزجاجة التي حاول الغرب أن يتصيدها من خلالها، بحيث إنها كلما ابتعدت عنه كسبت وقتا وربحت أوراقاً، وحسمت نصف المعركة سياسياً.
سوتشي يفترض أن تصنع فرقاً سياسياً وعملياتياً واضحاً، وأن تضع الفارق البيّن مقروناً بأدلته الدامغة على حدود الاختلاف ومساحة التباين في الجدية على الأقل، وفي تحديد الملامح الأساسية للمخرجات التي تصلح قاعدة يمكن الاتكاء عليها والركون لها، وهي مؤهلة لذلك، وأن تكسب الرهان رغم ما يعترض بعض خطواتها من عثرات وما يحيط ببعض بنودها أو مقارباتها من غموض، ربما تتكفل النقاشات والطروحات بتقويم ما اعوجّ منها.. وبتصويب ما حاد عنها.
a.ka667@yahoo.com