ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم: يعود الدور التركي في عهدته الأردوغانية إلى تزعم أخطر الأدوار في المنطقة، مستعيداً تاريخاً طويلاً من الوظائف الجيوسياسية التي غابت لبعض الوقت،
ثم ما لبثت أن نفضت غبار المتغيرات لتعود إلى الصدارة بتحسينات في الدور التآمري عبر وجهها الإخواني المتأقلم مع لغة الغرب، وبغطاء من غشاوة عثمانية تسعى إلى إعادة الانتقام بلبوسها الجديد.
فالمعضلة ليست في أن تأخذ تركيا دورها، ولا هي في التموضع السياسي الذي اعتادت عليه كمفصل لحرية الغرب في مواجهة الشرق، بقدر ما هي في الآليات التي تعتمدها حكومة أردوغان التائهة بين وجه الشرق بعهدته الإسلامية وخلفيات الوظيفة الغربية في المضمون.
والمشكلة ليست في طرح الشعارات المتناقضة، بل في الممارسة التي اعتمدتها لتقديم شهادة حسن سلوك جديدة للغرب كي يعيد ترتيب اصطفافها داخل المشروع الغربي، والتي اقتضت من بين ما اقتضته أن تتزعم تركيا رأس الحربة في المخطط وواجهة سياسية لتنفيذ ما عجز عنه الغرب عبر حضوره المباشر.
الأخطر في سياق التداعيات الناتجة عن اللهاث التركي لاستعادة الدور التاريخي في خدمة المد الغربي بالمنطقة أنها تنطلق من خلفيات أطماعها وإرثها في السيطرة، مدعومة بأحلام السلطنة البائدة ، ومفرزاتها التعبوية مجندة، واعتمدت في ذلك على حامل سياسي ليس مرفوضاً بل يحمل ذاكرة شعبية رافضة له، بعد أن تركت أعوامه الأربعمائة ندوباً يصعب على ذاكرة الشعوب العربية أن تتجاوزها
والمفارقة أن حكومة أردوغان بدل العمل على إزالة تلك الندوب، عمقتها في ممارسات بدت لوهلة مفاجئة وغير مفهومة في سياق تعاطيها مع تطورات الأوضاع في الدول العربية، وسرعان ما خطفت راية المتغيرات، ببعدها الإسلامي كجزء من دورها الجديد، ولتكون في نهاية المطاف أحد أوجه المشروع بطابعه الإسلاموي، وجناحه الإخواني بالتحديد لخدمة الغرب وتدشين عهد المصالحة الأميركية والغربية من جديد مع التنظيمات الإسلامية.
وفيما كانت التجاذبات ترتسم مجرد ارتسام آني، سارعت حكومة أردوغان إلى التمترس داخل الخندق الغربي كأحد أهم أدواته، وأيقظت في سبيل ذلك أطماعها وأحلامها الطورانية، وما علق بها من بقايا عثمانية مطعمة بما استجد من تحسينات شكلية لتسويقها.
وتحولت حكومة أردوغان من عامل تطفو على سطحه ملامح التوافق والتفاهم مع جوارها العربي والآسيوي إلى أحد أخطر مهددات الاستقرار في هذا الجوار، وأضافت عليه برعونتها السياسية وحماقة دبلوماسيتها المزيد من عوامل القلق الناتجة عن الدور التركي الذي مارس عربدته وتدخله الفظ وعدوانه على جواره العربي بالتحديد، مع تأجيل مؤقت لمهامه في الجيب الآسيوي.
وخلال بضعة أشهر باتت تركيا المهدد الأخطر للأمن في المنطقة، من العراق إلى سورية، مرورا بالجمهوريات السوفييتية السابقة، إضافة إلى ما تمثله من قاعدة متقدمة في استهداف إيران، ولاحقاً روسيا كقاعدة للناتو، وصولاً إلى الشمال الأفريقي الذي كان الممهد للحضور التركي بوجهه الإسلامي، ودوره في إحياء العثمنة على نمط الإيقاظ الغربي لأطماعه الاستعمارية.
في أدوارها المختلفة كانت تركيا نبتة طفيلية في بنية النظام الغربي، الغرض منها تقويض اللقاء بين دول المنطقة، والعمل كشرطي احتياط في خدمة المشروع الصهيوني، وقد كافأتها الدول الغربية في «جزرة» الوعود الخلبية بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
الرعونة التركية في ردة الفعل على الإخفاق في الوصول إلى حلم القبعة الأوروبية، دفع بالرؤوس الحامية داخل حكومة أردوغان إلى ردة فعل مشابهة حين شعرت بمصاعب إعادة التموضع داخل المشروع الإسلامي، فقابلته بمزيد من التهور والعبثية والتورط في دعم الإرهاب والإرهابيين، الذي تقاطع مع الدور المطلوب منها غربياً وإسرائيلياً في هذه المرحلة.
هكذا باتت تركيا مصدر قلق عالمي ليس من دورها في زعزعة الاستقرار بالمنطقة، بل من وجهها العدواني والتخريبي وصولاً إلى أضغاث أحلامها في استعادة الغشاوة العثمانية بطبعتها الأردوغانية المحمولة على أكتاف «تنابله» الجدد، بما تفتحه من رياح صادمة وتداعيات خطيرة على الوضع التركي، وجزئيات تركيبته الأثنية والعرقية والدينية، وحتى السياسية، التي تاهت بين طربوش العثمنة وقبعة الأوربة!!
a.ka667@yahoo.com