كتاب (الإشهار والمجتمع).. يفضح آليات عمل الإعلان للسيطرة على العالم

ثورة أون لاين : يعلن الكاتب الفرنسي برنار كاتولا في كتابه "الإشهار والمجتمع" رغبته في إطلاع قرائه على مختبراته وطريقة عملها في صياغة العالم عبر الإعلان وذلك ليس من جهة المتلقي الناقد وحسب بل من باب خبرته الطويلة التي اكتسبها كمؤسس لأكبر مركز للدراسات الإعلانية في فرنسا والمسمى مركز التواصل المتقدم والذي استطاع عبره التخطيط للوصول إلى قلوب ملايين الزبائن ووجدانهم من خلال آليات تم تمحيصها واستمزاجها في سوق العرض والطلب البشري.

ويتحدث الكتاب عن رجل الإعلان الذي لا يستطيع الوصول إلى أفئدة المستهلك إلا إذا عرف كل شيء عن حياته نفسيته وضعه الاجتماعي سنه جنسه انتماوئه المهني وكذلك تاريخه وثقافته العامة فعبر هذه المعطيات تقوم شركات الإعلان العولمية ببرمجة البشر نحو جبال السلع والخدمات المتوافرة في مراكز الشراء والبيع العملاقة.

ويبين كاتولا كيف يتم صنع صورة للمنتج أو الماركة وخلق الحاجة لدى المستهلك ودفعه لاتخاذ قرار الشراء فعوالم الاستهلاك كما يصفها كتاب "الإشهار والمجتمع" الصادر حديثا عن دار الحوار تتعدد بتعدد الثقافات وتنوعها بيد أن ما يثير الدهشة هنا هو أن استهلاك السلع لا يختلف عن استهلاك الأفكار إلا في الظاهر فالمنتج أو السلعة هو لحظة استهلاكية عابرة في حياة الزبون إلا أن مضمونها الرمزي يخترق بنية الذات الاجتماعية لحشود المستهلكين حيث أن وجود الأشياء والكائنات في اللغة أقوى من وجودها في الواقع فالناس يستهلكون مع المنتجات التي يقتنونها تصورهم لكل شيء للمذكر والموءنث النار والماء التحت والفوق.

ويقول كاتولا إن البشر يستهلكون تصورهم للزمن والفضاء والعلاقات بين الجيران وتصورهم للنميمة والإيمان والأحكام المسبقة ومن هنا يأخذنا الكاتب الفرنسي عبر نسخة عربية نقلها إلى القارئ المترجم المغربي سعيد بنكراد إلى سحر المتخيل عن الشيء وكيف يعمل عقل الزبون تجاه السلعة ففكرة البشر عما يملكونه أو ما يودون حيازته واقتناءه تبدو أهم بكثير مما يظنون إنها تلك الفتنة التي يتركها الإعلان في العقول حتى ليبدو العالم وفق هذا الفهم الذي يصدره الإعلان مرتعا لتسوق الوهم وبيعه والاحتلام بماهياته الخيالية ليقوم مجتمع الوفرة الجديد بتقديس السلعة عبر تسليع البشر أنفسهم وتقديمهم على مذبح الإعلان ككائنات دائمة الدهشة.

ويوضح الكتاب كيف أن الإعلان اليوم يحاصرنا حتى في فضاءاتنا الحميمة عبر التلفزيون لافتا إلى أن لذة الشراء لا تضاهيها لذة حين يعمل الإعلان على تصدير صورة جديدة للزبون عندما يقوم بشراء المنتج وتجريبه أو ما يسميه كاتولا بـ المحددات الرمزية فالمنتجات لا تغري بحقائق استعمالها بل من خلال اكتشاف الزبون لأناه الأخرى حين يقوم بتجريب المنتج على نفسه فالإعلان يمنح وجودا جماعيا لما كان بالفعل فردية غير قابلة للفهم فالزبون لا يهمه المنتج بقدر ما يهمه تلك الصورة التي يكرسها الإعلان عن هذا المنتج في نفسه حقيقة أو استيهاما سواء بتعزيز الهيمنة والتفوق والتسامي والكينونة أو حتى من خلال تمتين الذات وامتداد نفوذها إلى ما هو أبعد منها.

إننا لا نستهلك منتجات حافية أو عارية من كل غطاء ثقافي كما يخبرنا المؤلف بل نشتري من خلال هذا المنتج أو ذاك نمط حياة وأسلوب عيش بأكمله ولهذا يدأب البشر إلى شراء الصورة الرمزية عن ذواتهم المنحلة في المنتج فكل سلعة توفر لمشتريها أفكار السعادة والهناءة والرقي والنظافة والنعومة والطراوة والسرعة هي سلع ترسخ الكينونة والشعور بالقوة فالحكاية هي دوافع خفية تسوقها حجج عقلية مزمنة تسوغ أنماط الشراء وعاداته وتزين لحشود المستهلكين مزايا نفعية لابد منها في كل مكان.

ويرصد الكتاب الإعلان منذ نشأته التاريخية الأولى وقدرته على توليف المشاعر والعقول حتى قبل ظهور المطبعة وذلك باستخدام الإشاعة والتبادل الشفهي والخطابات فلقد كانت هناك ملصقات انتخابية ونقوش تجارية رومانية ليؤسس الفرنسي تيوفراست روندو في باريس أول مكتبا للعناوين كان أول وكالة إعلانات تصدر ملصقاتها ليتطور بعد ذلك الملصق كأول أداة إعلانية فأول ملصق كان عام 1482 وكان يعلن عن رحلة إلى الحج إلا أن الملصق ظل أداة في يد المؤسسة الملكية والكنسية بأوروبا حيث سيظل الملصق أداة للدعاية السياسية والدينية أكثر منه إعلانا أو إشهارا تجاريا.

ويروي كاتولا أن أول لقاء بين الجريدة والإعلان كان مع الثورة الفرنسية حيث لعبت القلاقل السياسية الكبرى فيما بعد في أوروبا دورا كبيرا لتطور الإعلان هكذا يكشف الإعلان عن نفسه من خلال تقمصه لدور اجتماعي أكثر من كل الوسائط الأخرى فمن خلال حضوره في كل مكان في الإذاعة والتلفزيون والسينما ولوحات الطرق الدولية وجدران المراحيض العامة وشركات الاتصالات والإنترنت يضاعف الإعلان من وعينا بالعالم وفق آلية التكرار والتهويل فهو الرابط الوثيق بين المنتج والمستهلك من أجل إقامة علاقة تجارية مهددة بالضياع في أية لحظة لكنها علاقة لابد منها في عالم يبيع ويشتري كل شيء.

ويرى المؤلف أن الإعلان أصبح اليوم فرجة غنية وتحول من خلال مضمونه وشكله إلى فن خاص وفريد ليشكل في الواقع أساليب حياة قائمة بحد ذاتها فالإعلان لا يبيع منتجات وحسب بل هو ظاهرة اجتماعية بالغة التعقيد فهو يكرس الموجود من حيث هيمنته على تجذير القيم السائدة أو إتلافها حيث يبشر بقيم جديدة في سعيه إلى البيع الدائم ما يجعل الإشهار متجاوزا لطابعه التجاري نحو خلق أنساق قيمية جديدة تبزغ مع السلعة وتضمحل باضمحلالها وخبو نجمها فعالم اليوم تديره السلع مستفيدة من أساطير الناس وخوفهم من المجهول والغيب والألم ورغبتهم بتحقيق السعادة وبلوغ اللذة وتحصيل الشهرة والمكانة الاجتماعية.

والشراء بحسب كاتولا ليس فعلا عاديا أو عقلانيا كما نتصور ذلك أحيانا فوظيفته ليست نفعية بشكل موضوعي والعوامل التي تحدده ليست دائما حاجات وأموالا فالشراء موقف أمام النفس وأمام الآخر وبهذا المعنى يصبح الشراء إثباتا لوجود وتأكيدا لوضع وكشفا عن نمط في الحياة يتحقق ضمن وضعية اجتماعية فالتعويض عند الأنانيين من البشر يتجسد في جمال الأشخاص والموضوعات في المقام الأول فحب الموضة وعشق هيكل سيارة والاحتفاء بجسد نحتته رياضة الجري ما هي إلا طرق يتبعها المستهلكون من أجل نسيان قبح العالم اليومي المرغمين على العيش فيه.

آخر الأخبار
"صندوق مساعدات سوريا" يخصص 500 ألف دولار دعماً طارئاً لإخماد حرائق ريف اللاذقية تعزيز الاستقرار الأمني بدرعا والتواصل مع المجتمع المحلي دمشق وباكو تعلنان اتفاقاً جديداً لتوريد الغاز الطبيعي إلى سوريا مبادرات إغاثية من درعا للمتضررين من حرائق غابات الساحل أردوغان يلوّح بمرحلة جديدة في العلاقة مع دمشق.. نهاية الإرهاب تفتح أبواب الاستقرار عبر مطار حلب.. طائرات ومروحيات ومعدات ثقيلة من قطر لإخماد حرائق اللاذقية عامر ديب لـ"الثورة": تعديلات قانون الاستثمار محطة مفصلية في مسار الاقتصاد   130 فرصة عمل و470 تدريباً لذوي الإعاقة في ملتقى فرص العمل بدمشق مساعدات إغاثية تصل إلى 1317 عائلة متضررة في ريف اللاذقية" عطل طارئ يقطع الكهرباء عن درعا تمويل طارئ للدفاع المدني السوري لمواجهة حرائق الغابات بريف اللاذقية إغلاق مؤقت لمعبر كسب الحدودي بسبب الحرائق في ريف اللاذقية محافظ حلب يتابع انطلاق امتحانات الثانوية كبار في السن يتقدمون لامتحانات الثانوية العامة بدرعا 20482 متقدماً في اللاذقية لامتحانات الثانوية العامة والشرعيّة ارتفاع الكشفيات الطبية في درعا يدفع المرضى لحلول بديلة تسويق 29 ألف طن قمح في درعا في حضرة الغياب.. نضال سيجري العفوية المدهشة والفن الصادق إزالة أكشاك بمحيط حديقة الجاحظ في المالكي بدمشق 15 ألف طالب وطالبة في امتحانات الثانوية العامة بدرعا