ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
لم يكن مشهد المنصة الدولية بحاجة إلى شرح أو تفسير حين وجدت الولايات المتحدة الأميركية نفسها وحيدةً في معارضة مشروع القرار الأممي المقدم، كما هو الحال في تأييد مشروع قرارها، حيث عجزت عن تأمين صوت واحد معها،
سواء في القبول أو الرفض، فبدا الموقف الأميركي نافراً، كما سياسته وممارسته، وإن كانت الرسالة أكثر بعداً في دلالتها من الاستنتاجات المباشرة، فقد وصلت في بعض تجلياتها إلى حدّ اعتبارها بمنزلة محاكمة للسياسة الأميركية من المجتمع الدولي ممثلاً بمجلس الأمن لانحيازها الفظ وغير المفهوم لإسرائيل، باعتبار ذلك جريمة، حتى لو حاولت أميركا إخفاء بعض مقومات أركانها.
فالمرافعات التي قدمها أعضاء مجلس الأمن قبيل وبعد وخلال عرض مشروعي القرارين للتصويت، أبرزت مشاهد معبرة عن تلك المحاكمة، حيث الإجماع على رفضها لم يصل يوماً كما هو الحال في الجلسة الأخيرة، حين عجزت الدبلوماسية الأميركية عن كسب مساندة، ولو دولة واحدة لحفظ ماء الوجه، كما اعتادت في مرات سابقة، وهو يؤكد الفشل الذريع لهذه الدبلوماسية في تسويق سياستها، حتى لدى حلفائها والكثير مما كانوا محسوبين عليها.
المسألة في سياق القراءة السياسية أن المقاربة الأميركية بدت داخل مجلس الأمن وخارجه معزولة، وربما منعزلة عن الواقع، وبعيدة عن أدبيات التعاطي السياسي، وهو ما تؤشر إليه مواقف الدول الغربية التي كانت حتى وقت قريب مجرد صدى للسياسة الأميركية، وهذا يقود إلى القطبة المخفية التي يحاول الأميركيون أن يتجاوزوها، وهي تتعلق بالموقف الأوروبي تحديداً، حيث الأمر لا يقتصر على موقفها المنحاز بشكل أعمى لإسرائيل، بقدر ما يترجم ضيقاً أوروبياً واضحاً من مجمل السياسة الأميركية، وخصوصاً ما برز منها من رعونة في الانسحاب من الاتفاق النووي، وصولاً إلى الضرائب التي فرضتها إدارة ترامب على المستوردات الأوروبية من الصلب.
ما يمكن فهمه من الموقف الأوروبي حتى اللحظة، أنه يخط رسائل الفراق السياسي الأميركي الأوروبي، وربما يدشن مرحلة سياسية، وإن كان من السابق لأوانه معرفة خصائصها وسماتها من جهة، وصعوبة التسليم بمدى جدية الأوروبيين على المضي بها من جهة ثانية، بحكم ما تراكم من سياسات الهيمنة الأميركية التي تجعل من المشروع «سياسياً» التشكيك بتوافر الإرادة السياسية لدى القارة العجوز في الذهاب أبعد من ذلك، حتى لو امتلكت القدرة على فعل ذلك نتيجة حالة الاستلاب التي خضعت لها أوروبا على مدى العقود الماضية.
هذا لا يقلل من حقيقة المحاكمة السياسية التي تطول لائحة الاتهامات فيها وتتراكم معها الأدلة والقرائن الدامغة، والتي أرادت من خلالها أوروبا تسجيل رسائل أبعد من الامتعاض الشديد من المقاربات الأميركية، واستيائها من الممارسات التي أقدمت عليها لتفتح الباب أمام مرافعات.. وربما محاكمات على مجمل السياسات الأميركية سابقاً ولاحقاً، وقد تكون رداً استباقياً على ما هو قادم من إجراءات تبدو من دون سقوف أو حدود، حيث يعود الأوروبيون ليكونوا شركاء في التذمر من السياسة الأميركية التي تتشارك فيها معظم دول العالم، غربه وشرقه.. شماله وجنوبه.. صغيره وكبيره..!!
الخيبة الأميركية المزدوجة في مجلس الأمن تؤشر إلى واقع جديد لا يمكن تجاهله، ولا تجاوزه، وإن كان يحتاج إلى الكثير من الخطوات والمواقف والسياسات، حتى يتحول إلى نسق عالمي في مجابهة الهيمنة الأميركية، ومع ذلك فقد تمكن من تسجيل جملة من النقاط على السياسة الأميركية وغطرستها، وعلى طقوس فرضِها لسياسة الإملاء، والأهم لسلوكها المرفوض في حماية إسرائيل من الإدانة الدولية، ولو فشل مجلس الأمن في تبني القرار الذي يدينها، فإنه لم يفشل في توجيه صفعة للسياسة الأميركية وإسرائيل معاً، بل أن يحاكم سياسة العنجهية الإسرائيلية، كما فعل مع نسق السياسات التي ينتهجها ترامب وإدارته.
a.ka667@yahoo.com