ثورة أون لاين- علي نصر الله:
الثقة بالنفس، بالذات وقدراتها، بالحليف ومواقفه، بتحقيق النتيجة المُتوخاة، كل أشكال الثقة عادة تكون مَبعث اعتزاز وفخر، ولا تكون مؤلمة مُطلقاً إلا في حالة واحدة،
وهي الحالة التي تعيشها وتُكابدها ربما الولايات المتحدة حالياً.
أميركا تجوب البحار وتُعسكرها، تملأ الفضاء وتُسيطر على تردداته، تقطع آلاف الأميال بجيوشها، لكنها لا تَثق بأن كل ما تقوم به سيُحقق لها شيئاً مما تبحث عنه، بل إن ما يُضاعف خيبتها تَشكُّل الثقة المؤلمة لديها من أنّ الطرف الذي تستهدفه يتغلب، وسيتغلب عليها، وسيُحقق انتصاراً لا تريد الاعتراف به!.
تحت عنوان إدلب تَجتر واشنطن منذ أكثر من شهر كل ما كانت رددته قبل حلب وحمص ودير الزور ودرعا والقنيطرة، لكنها في نهاية المطاف لَعَقَتُه بألم، وقريباً ستفعل الأمر ذاته، إذ باتت تُدرك جيداً أنها حتى لو ارتكبت حماقة تنفيذ العدوان على سورية بذريعة الكيماوي الكاذب بإدلب، فإنها لن تتمكن من تغيير أو إحداث الفرق الذي يُنقذ مُرتزقتها، بل لعل ثقتها من أنّ ذلك لن يتحقق هو ما يُضاعف ألمها.
الثقة المؤلمة المُتشكلة لدى واشنطن، وحدَها تحمل مُسوغات ذهابها لإعلان وُريقات الأمس المُحترقة، والدفع بها للواجهة لتَطرح فيها عناوين سياسية مُستهلكة مرة تحت اسم بيان المجموعة المُصغرة من أجل سورية، وأخرى باسم مجموعة عمل أكثر اتساعاً، لكنّ ما سيُضاعف مقادير الألم لديها كقاطرة مُنهكة تجر جيف مُتفسخة، هو بؤس الصدى الذي أحدثته هذه البيانات، يكاد لا يُسمع الصوت ليَتردد صداه!.
مجموعات العمل التي تُشكلها واشنطن تحت مُسميات مُختلفة، تعرف هي قبل سواها أنها استُنزفت حتى في مَخازينها من المال والتطرف والخيانة، وتَثق أنها باتت مُفلسة مَكشوفة عارية لا يمكن استخدامها مرة أخرى لا تحت عناوين الاعتلال ولا الاعتدال، وكذلك الأمر مع أطياف الأدوات الرخيصة التي تعرف، وتثق واشنطن أنها بمجموعها لا علاقة لها بالمعارضة لا السياسية ولا حتى بالميليشيات المسلحة، وقد انتهت منذ وصفها أوباما بالفانتازيا!.
ما الذي بقي لواشنطن ومُعسكر العدوان الذي تقوده لتلعب ورقته؟ إعادة الإعمار أم جنيف؟ وما مساحة المُناورة المُتاحة لها وهي تتلمس حجم الإحباط الذي يلف إجراءات النزق والجنون التي جعلت عقوباتها الاقتصادية الأحادية، وحروبها التجارية ترتد عليها، إن مع روسيا والصين أو مع إيران!.
قد لا تعترف الولايات المتحدة بهزيمة مشروعها العدواني، وقد لا تُقر بانتصار سورية ولا بقوة حلفاء سورية في محور المقاومة وخارجه، غير أن ألم ثقتها بالعجز الذي انتهت إليه قد يكشف لها أن أفضل المُتاح لها هو أن تتصالح مع الواقع الذي يُحدث بمُخرجات سوتشي لا أوهام جنيف.