«إنني مصر على الكتابة للمسرح؛ لأنني أريد أن أدافع عنه، وأقدم جهدي كي يستمر هذا الفن الضروري حياً، وأخشى أنني أكرر نفسي لو استدركتُ هنا، وقلت إن المسرح في الواقع هو أكثر من فن؛ إنه ظاهرة حضارية مركبة؛ سيزداد العالم وحشة وقبحاً وفقراً لو أضاعها وافتقر إليها». بهذه الكلمات التي ألقاها سعد الله ونوس في عام 1996 بمناسبة يوم المسرح العالمي، اختزل ونوس عمراً قضاه على خشبات هذا المسرح، متنقلاً بين عوالمه، نابشاً من تاريخه أقصوصات غدت من أوابد ميراثه الحي، دافعاً جمهوره إلى امتشاق الفكر سلاحاً للغوص في رؤى كاتب خُلق ليطرز اسمه بحروف من نور، وإبداع.
وكتيب (سعد الله ونوس)، تأليف: جوان جان، هو عنوان الكتاب الشهري لليافعة الصادر ضمن سلسلة «أعلام ومبدعون» عن الهيئة العامة السورية للكتاب، والذي يتناول بين دفتيه قصة هذا المبدع المسرحي الكبير.
المولد والنشأة
ولد سعد الله ونوس في عام 1941 في قرية حصين البحر الواقعة في ريف محافظة طرطوس، درس المرحلة الابتدائية في مدارس القرية، وسعى منذ بداياته المبكرة في القراءة إلى تناول روايات رموز الأدب العربي في أربعينيات القرن الماضي كنجيب محفوظ، وعباس محمود العقاد، وطه حسين… وغيرهم؛ انتقل إلى طرطوس لمتابعة دراسته الثانوية، ليسافر بعد ذلك إلى القاهرة في بعثة دراسية لدراسة الصحافة.
بعد إتمام دراسته في القاهرة، عاد ونوس إلى دمشق في عام 1963 للعمل في وزارة الثقافة التي كلفته بالعمل في «مجلة المعرفة» بداية، لينتقل بعدها للعمل كرئيس تحرير مجلة الأطفال «أسامة» التي تصدرها وزارة الثقافة أيضاً، وبقي مشرفاً عليها لمدة قاربت ست سنوات حتى عام 1975.
الخطوات الأولى في عالم المسرح
خطا سعد الله ونوس خطواته الأولى في عالم المسرح في عام 1964 عندما أشرف على إصدار عدد خاص عن المسرح من مجلة «المعرفة»، ليسهم في عام 1969 في التحضير لمهرجان دمشق المسرحي الذي انطلق في العام نفسه، وقدم فيه ونوس مسرحيتين من كتابته هما (الفيل يا ملك الزمان)، و(مأساة بائع الدبس الفقير).
حفلة سمر، وتجارب أخرى
تعد مسرحية سعد الله ونوس (حفلة سمر من أجل 5 حزيران) من أبرز المسرحيات التي كان لها بصمة حضور في حياة ونوس المسرحية خاصة، وفي تاريخ المسرح السوري عموماً، لما امتلكته هذه المسرحية من مؤهلات مكنتها من تفعيل حضورها في وجدان الجمهور وأهمها أنها كانت انعكاساً للواقع في الفترة التي ظهرت فيها، الأمر الذي يؤكد أن ونوس كان يؤمن دائماً أن المسرح هو فعل جماعي، وأن الشخصيات فيه حافلة بالدلالات.
والمتابع لتاريخ ونوس المسرحي الإبداعي لا يمكنه ألا يمر على نقاط مضيئة أخرى في أجندة ونوس المسرحية، وأهمها مسرحية (مأساة بائع الدبس الفقير) التي تأثر فيها ونوس بالمسرحين اليوناني القديم والروماني، ومسرحية (الجراد) التي حاول عبرها الكاتب أن يبحر في أعماق شخصيته من خلال حلم ليكشف خباياها وأسرارها، ومسرحية (المقهى الزجاجي) التي تناول فيها ونوس قضايا عامة وجماعية، إلى جانب خلوها من المفهوم التقليدي لمعنى الشخصية المسرحية، فالشخوص فيها لم يكونوا أكثر من وسائل استخدمت لنقل وجهة نظر الكاتب فقط.
المسرح التجريبي
أسهم سعد الله ونوس في تأسيس مجلة «الحياة المسرحية» عام 1977، وترأس تحريرها مدة تسع سنوات، وخلال هذه السنوات التسع ربطت بين سعد الله ونوس ومجلة «الحياة المسرحية» علاقة شفيفة، لم تقتصر على علاقة رئيس تحرير بمجلة يشرف على إصدارها فحسب، بل كان مسهماً فعالاً فيها، كتب لها العديد من المقالات، ونشر فيها نصه المسرحي (رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة) في العدد السادس الصادر عام 1978.
وأسهم سعد الله ونوس أيضاً إلى جانب زميله المخرج المسرحي فواز الساجر في تأسيس المسرح التجريبي في عام 1977 بعد أن كلفتهما وزارة الثقافة بذلك، وقد قدم هذا المسرح في الفترة ما بين عامي (1977 و1979) ثلاثة عروض مسرحية من إعداد ونوس، وإخراج الساجر هي على التوالي: (يوميات مجنون – رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة – ثلاث حكايات).
وفي الختام لا نستطيع أن نغفل ما كان لنصوص ونوس المسرحية من حضور واثق وبهي في شتى المهرجانات المسرحية سواء المحلية منها، أم العربية، أم العالمية؛ كما ترجمت أعماله لعدد من اللغات الأجنبية، وحققت قبولاً كبيراً لدى المتلقين، للشغف الكبير الذي كتبت به إذ استطاع ونوس أن يحولها إلى حالة من الفرجة المسرحية يتلاقى عندها جمهور متفاعل، وشخوص مسرحية حية، ورؤى كاتب مبدع.
سلام الفاضل