من يتابع المشهد الثقافي على اتساعه وتنوع ألوانه إن كان على صعيد السينما أو الدراما وحتى المسرح أو كان على صعيد الأنشطة الثقافية التي تفيض بها المنابر جميعها شعرا وقصة وحوارات سياسية وأمسيات موسيقية على أهميتها جميعا،
يجد أن هذه التوليفات جميعها لم تستطع أن تتجاوز جدران المكان الذي ولدت به، ولم تستطع أن تحيك منها عالما جديدا أكثر نقاء، فالحضور متواضع وكأن ذاك الإنسان الذي تسعى هذه الأنشطة إليه له أولوياته واهتماماته، أو لأنه أيقن بعد التجربة أنها جميعا لاتغني أو تسمن من جوع.
ثمة حلقة مفقودة بين ذاك المثقف الذي امتهن أن يكون صوتا في واحد من منابره وبين الجمهور الذي بات ينأى بنفسه عن عالم الثقافة لإيمانه بأنه عالم عاجز عن تغيير حياته وانتشاله من واقع بات من القسوة يحتاج حلولا إسعافية تقيه العوز والتسول وتمنحه شيئا من كرامته المستباحة على أسوار الفقر والحاجة وشظف العيش التي زادت الحرب من مأساته حتى بات يتقن فن اللهاث خلف لقمة العيش لتكون مشروعه اليومي.
ولكن أين مشروع المثقفين في تبني قضايا المجتمع والعمل من أجل أفراده والتضحية في سبيل تحقيق غاياته في توفير الحياة التي تليق بشعب كابد ماكابده من حرب كادت تقضي على آخر رمق فيه, وهنا لاننكر أن البعض من الأقلام أهدرت الكثير من الحبر في سبيل ذلك لكنها لم تستطع أن تترك أثرا يعود على ذاك الإنسان بالخير والفائدة أو الانتقال به من حال إلى حال، وكأن تلك الأقلام تثلمت وعجزت عن أن تسمع صوتها لمن بيده الأمر والنهي، أو ربما نأت بنفسها لقناعتها بأغنية فيروز «لاتندهي مافي حدا».
مايحتاجه اليوم المثقف الفاعل الذي يحمل مشروعا وطنيا، اجتماعيا، تنويريا، ثقافيا قادرا على إنقاذ المجتمع من ويلاته، وينهض بقيمه ويكرس مبادئه الراسخة في الحب والخير والجمال، ويستنهض الهمم لإعادة البناء بعيدا عن شعارات لم تعد تؤتي ثمارها في ظل مجتمع تآكل بنيانه ويحتاج جهودا مخلصة ومشروعا حيا يعيد للحياة ألقها وزهوتها.
رؤيـــــــة
فاتن دعبول
التاريخ: الثلاثاء 13-11-2018
رقم العدد : 16835