نَختلفُ في حواراتنا اليومية، زملاء العمل، الأصدقاء، الأهل، حول الكثير من الأشياء، المُتغيرات، المُصطلحات، قراءة وفهم الأسباب والنتائج لهذا الأمر أو ذاك، ولهذه المسألة أو تلك، نُجمع أحياناً، لكنّ الإجماع قد لا يعني الصواب طالما بقي أحدٌ على الضفة المُقابلة لا يُوافق على ما تمّ الإجماع عليه،
مع أنه ليس بالضرورة أن تكون وجهة نظره، أحكامه، رؤيته، على النقيض، مُخالفة أو مُعارضة، وإنما قد تتباين في جُزئية، أو في اعتماد منهج مُحاكمة ومعايير لو اعتُمد غيرها لأدّت بالمنطق إلى نتيجة مُختلفة.
يُقال: الأزمة في سورية، ويَحلو للبعض أن يقول: الأزمة السورية، مثلاً، وبين هذا وذاك فرق كبير إذا ما حاولنا مُقاربة المفهوم للأولى وللثانية، ومع أنني أميل – شخصياً – لعدم قبول المَقولتين، وأنحاز لمصلحة تَداول مَقولة ثالثة أراها مصداقاً حقيقياً للواقع هي: الحرب على سورية، إلا أن استخدام المقولة الأخيرة لا يُلغي تَداول السابقتين، بل هناك من يَستغرق ويَتعمّد الترويج لهما بهدف النّفاد لغايات سياسية، هي في الواقع الأهداف الحقيقية للحرب والعدوان والمؤامرة التي تستهدف سورية، وخطها المُقاوم.
في اللغة، الأزمة هي الشّدة والضّيق، وسورية قبل الحرب العدوانية التي تَعرضت لها لم تكن تُعاني شدة ولا ضيقاً، في كل المُستويات وعلى جميع الصّعد، بل كانت في أثناء اشتداد الأزمة المالية الاقتصادية العالمية تعيش بطمأنينة واستقرار اقتصادي اجتماعي وسياسي.
وإذاً، لم تكن ثمّة مُقدمات قد توفرت لتلجَ ما يُسمونه أزمة بهذا الحجم، ولهذا كله لا نَقبل المُصطلح المُتداول، نَرفضه، وبالأدلة يُمكننا إثبات حقيقة أنّ أطرافاً دولية وإقليمية خططت لافتعال أزمة تَشغل سورية، تُضعفها، تُفككها، تُخضعها، تَقضي على عوامل قوتها، تُخرجها من مُعادلة الصراع العربي الصهيوني، وتجعلها جزءاً من منظومة دول الاعتلال العربي، ومن المُطبعين مجاناً.
رزمة الأهداف الكبرى آنفة الذكر، ما الذي تَحقق منها بنتيجة الحرب والعدوان مُتعدد الأطراف الذي كاد توصيفه بالكوني أن يكون واقعياً لكثرة الأطراف التي انخرطت بمُخطط الاستهداف؟ لا شيء، بل إنها بدل أن تَنشغل بنفسها وتخرج من مُعادلة الصراع مع الصهيونية، أصبحت الأُسّ في هذه المُعادلة، لا أحد سواها – مع الحلفاء في خط المقاومة – يُمثل الطرف الآخر بالمُعادلة!.
وبدل أن تَتفكك أو تَخضع، فهي اليوم أكثر صلابة وتَصميماً على حفظ الوحدة الوطنية والجغرافية لسورية ذات السيادة، الحرّة، المُستقلة، التي تَرفض التدخل في شؤونها الداخلية وفي قرارها وخياراتها الوطنية. وبَدل أن تَضعف أو تَتراجع عوامل قوتها الذاتية، باتت أكثر قوة ومنعة في مواقفها السياسية التي ثَبَتَ صوابيتها قبل ومع ما تمتلكه من إرادة تَرجمها جيشها في الصمود والتضحية، وفي التدريب والتأهيل ومُراكمة الخبرات، فضلاً عن التَّسلح بالأكثر تطوراً في شتى صنوف الأسلحة.
هذه النتائج المُتحققة الناجزة، لا يُمكن الاختلاف عليها في الحوارات التي تدور بمجالسنا مهما تَباينت زاوية الرؤية بين المُتحاورين، ليس فقط لأنها باتت واقعاً مَحسوساً مَلموساً، بل لأن ارتداداتها على منظومة العدوان وحلفه صارت أكثر وضوحاً، ولا يُنكرها إلا أعمى بَصر وبَصيرة!.
بينما تبدو سورية على هذه الصورة والمَشهدية، انظروا إلى دول مُعسكر العدوان، ليس بينها من لا تَغرق في أزمة ارتدادات الانتصار السوري، وليس بينها من لا يُمارس خطاباً سياسياً وإعلامياً مأزوماً، بل ليس بينها من لا يَصدع رأسه رجعُ صدى نصر سورية الذي سيَمنح خط المقاومة ومحورها من القوّة والقيم المُضافة ما لم تَحسب له قوى العدوان ومحور الشر حساباً ذات يوم.
معاً على الطريق
علي نصر الله
التاريخ: الخميس 22-11-2018
الرقم: 16842