ثمة مقولة شعبية, تحضر بقوة حين نريد أن نتحدث عن الثقافة والفعل الثقافي والابداعي, وعن المثقفين وما يقدمونه, ألا وهي أن من كان بيته من زجاج عليه ألا يرمي الآخرين بالحجارة.. وبغض النظر عما إذا كنا قسرنا المثل أو المقولة حتى تتناسب مع الحالة التي يعيشها المشهد الثقافي السوري من احتراب علني وغير علني, وما يرشح في الكواليس من اصطياد بعضهم بعضا, والدخول بسجالات ونقاشات أقل ما يقال فيها: إنها تدل على عدم نضوج ووعي من قبل ممن نظن أنهم هم حملة المشاعل والفكر والقدرة على التنوير والأخذ بنا إلى عوالم أكثر نقاء وصفاء على الأقل ليست كما نعيشه الآن ونراه.
الحرب العدوانية التي طالت الشجر والحجر في الجزء الأكبر منها كانت حروبا ثقافة ومصطلحات, وتغلغلا في المجتمع السوري, ولا نريد أن نقرر أن الثقافة والمثقفين كانوا السبب الأساس لها حين تخلوا عن دورهم التنويري, واتجهوا نحو عوالم الخواء, وما سمي الحداثة المائعة كما يقول عنها عبد الوهاب المسيري, فتجتمع المياعة كلها وشكلت سيلا, بل طوفانا أخذ كل شيء منا, وجعلنا على قارعة العري, الكل مسؤول من البيت إلى المدرسة, إلى الجامعات التي تحولت إلى مكان لجباية الاموال وتكديسها, إلى الإعلام الذي هام بكل واد, إلا وديان الثقافة الحقيقية, الكل شريك فيما جرى, والكل مسؤول عما يجب القيام به للخروج من كهف الظلام الذي دخلناه, ولولا بندقية الجيش, وتضحيات الشعب الفقير والطيب لكنا في لجة محيط الظلمات.
التنوير الذي تم رفع شعاره من قبل اتحاد الكتاب العرب, نأمل ألا يبقى حبراً على ورق قد يرد أحدهم قائلا: اقمنا ندوة كذا وكذا, وكرمنا أسر شهداء, وهذا ما من أحد على قلته ينكره, الجميع يعترف به, ولكن تكريم أهل من ضحى ليس فعل تنوير, أبدا, انما نتوضأ بطهرهم, فهم من ينورنا, وفعل أو مصطلح تنوير يعني أن ثمة مناطق مظلمة, مناطق تحتاج إلى فكر خصب فعال علينا أن نتجه إليها, لا أن نتوجه إلى حيث النور ونقول ها نحن نفعل..
وكان مؤتمر الاتحاد صاخباً ثرياً بالنقاشات والمقترحات, ولكننا على أرض الواقع لم نر شيئا قد تحقق, وهذا أيضا شأنهم هم من يجيب عليه في مؤتمراتهم وأمام مسؤولياتهم التاريخية.
وفي الفعل الاعلامي حتى لايقول أحد ما إننا نرى القشة شجرة بعيون الآخرين ولا نرى القذى الذي تضج به عيوننا, لم يكن أداؤنا الثقافي كما نتمنى, كما نريد, على ما يرام, تحولنا في الكثير من وسائل إعلامنا إلى ترفيه وتسلية, وكأننا محايدون, لم نعد حتى مرآة تعكس ما يجري, ولهذا أيضا أسبابه الكثيرة, ومنها الكثير من جهل الكثيرين ممن يعملون بالصحافة الثقافية, وقسم آخر لأسباب تحول قسم كبير من الاعلام إلى أن يكون مطبلا ومزمرا…
ندوات ومؤتمرات
أما بالنسبة لوزارة الثقافة التي تصوب الرماح نحوها دائما, وهي الدريئة والواجهة, فمما لاشك فيه أن قسما كبيرا من الفعاليات التي أنجزتها بحق تستحق التقدير, ويجب أن يشار إليها بتقدير كبير, من حفلات وملتقيات تشكيل, ناهيك بما أنجزته مديرية المسارح والموسيقا, يتوج ذلك بما قدمته الهيئة العامة السورية للكتاب من حيث الوصول إلى رقم 260 إصدارا خلال عام 2018م, عدا عن المجلات والدوريات, هذا كله يجب أن يكون موضع تقدير, ولكن ما يخطط له من ندوات ماضوية ومؤتمرات تبحث الميت, كله يشكل عبئا على الوزارة, وتبدو الأمور مفصلة على مقاس شخصيات, ربما علينا أن نطرح السؤال التالي: ما الذي قدمته الندوات الماضية حول كل ما تم نقاشه, ماالجديد ؟ لماذا لايكون التوجه نحو اللحظة الراهنة, نحو اليوم والغد نحو قضايا يجب أن تناقش وتعالج ؟ هل السبب عدم القدرة؟ لا أظن أبدا فالوزارة التي تقدم هذا الكم الهائل من الفعل الثقافي الحقيقي, قادرة على تجاوز ما جعله البعض جوائز ترضية للأحبة والأصدقاء.
وعود على بدء: كنا قد طرحنا منذ بداية العام الماضي ضرورة عقد مؤتمر ثقافي سوري, يضم الجميع, يعمل على وضع الواقع كما هو على طاولة النقاش الفعلي, يبحث في الاسباب ويسعى للحلول, مؤتمر لايحمل أحدا مسؤولية ما كان, يعمل على وضع رؤى واستراتيجيات ثقافية كبيرة, يناقش هموم الثقافة والمثقفين, يبلسم الجراح, يضع الجميع أمام مسؤولياتهم, يرمم التشظي الذي ظهر كريها والكل يراه, مؤتمر لايقصي احدا, سقفه الوطن, لا نريد وصاية هذا أو ذاك فقط الحس الوطني, وعلى أرضية الفعل والعمل, لم يعد الأمر مجرد أمنيات لابد من تخطيط لذلك, دعوا الماضي ولنبدأ لحظة الفعل, وفي الجعبة الكثير مما يقال ولكنه باختصار: الثقافة فعل الانتصار, كل مؤسسات الوطن معنية بها, ولكن معظمها يصفق لها من بعيد, وبعد ذلك يمضي إلى حاله.
d.hasan09@gmail.com
ديب علي حسن
التاريخ: الأحد 6-1-2019
الرقم: 16877