بين صخب ترف و هشاشة فقر يسكن جدرانا متطايرة ، دارت معركة انسانية بأسلحة من مشاعر متناقضة هي فرح و خيبة ، كان ذلك ذات ليلة صاخبة تودع عاما و تستقبل اخر… هناك خلف جدران المطاعم الباذخة و الفنادق ذات النجوم المتلألئة ، كان ضجيج الانفاق و الهدر الحاد يعلن نفيرا خاصا لممارسة فرح باهظ ، و ليتمرغ من أنعم عليهم الله بترف لا محدود أو متناه ، بينما مروا للتو و هم في طريقهم لسهرة رأس السنة متأنقين حتى الثمالة ، و متعطرين حد الاختناق من أمام معدم يسكن و عائلته رصيف حي دمشقي يعصف بهم نحولا و بردا ، و لكن ياقاتهم العالية أعاقت التفاتة رأس متعال لإلقاء نظرة تعاطف ، و أحذيتهم اللامعة المستوردة سارعت الخطا بمهارة ، كي لا يطالها غبار نظرات جائع .
في معادلة خاسرة بحق من كان ضحية تبعات أزمة ، رفع حكم حلبة مصارعة الحياة ، ليعلن انتهازيا فائزا في صولات و جولات تلقى فيها فقير و متوسط حال لكمات قاضية حتى الانهيار ، ليزداد الشرخ اتساعا ، و التباعد عمقا في المستوى المعيشي بين غني ازداد غنى و فقير ازداد عدما.
هناك من كانت الأزمة صديقة له في مساحة ضيق عيش الغير ، فتفنن في استغلال سنواتها العجاف ليمارس جبروته و صلفه، و ليتحول إلى مصاص للدماء برداء آدمي ، و ما كلفة ليلة صاخبة احتفاء بسنة قادمة تعد بمزيد من الملايين ، سوى أجرة شهر لشقة آمنة يدفعها مهجر أفقدته الحرب بيته ، فعشرات الآلاف و ربما المئات يدفعها من اختزال وجبات غذائية و كساء جسد ، و من تحمل المرض لعجز عن علاج .
إلى المترفين و الباذخين أمام أعين الجائعين و المشردين… هنيئا لكم نعيمكم و لكن لن يهز ميزانيتكم مساعدة انسانية فهي لا تكاد تساوي إكرامية لكرسون وضب لأحدكم مائدة عشاء ليلة رأس السنة ، و تأمين مسكن بسعر عقلاني لن يعصف بخزائن أموالكم المتخمة!! فقط شيء من الانسانية الخجولة ……
منال السماك
التاريخ: الأحد 6-1-2019
الرقم: 16877