«.. ربما يكون بإمكان رجال آخرين ونساء أخريات أن يقيموا، في المستقبل، عالماً لاوجود فيه أبداً لأقبية مثل هذا القبو، وأسوار كالتي تحجزنا الآن. لأنني لا أستطيع التخلي عن التساؤل كم سيكون كل شيء مختلفاً لو أننا ولدنا في عصر آخر، عصر بلا حروب، ولا بؤس، ولا خوف، ولا معسكرات اعتقال، لو أننا ولدنا بعد ثلاثين عاماً..»..
تساؤل يسوقه الروائي آريل دورفمان على لسان بطله في رواية «ثقة»، البطل الذي يحيا الحرب فتحاصره ذيولها..
ربما هي ذات الأجواء وذات التهويمات والمناخات التي تنتجها الحرب في أي زمان ومكان.. لكن ذلك لن يمنع من قراءة قول الفيلسوف لودفيغ فيتغنشتاين وفهمه في ضوء ظرف (الآن وهنا) حين ذكر «كم من الصعب أن أرى الأمور التي أمام عيني بشكل صحيح».
ويجوز لنا تحريف تساؤل بطل دورفمان، مخترعين استفهامنا الخاص:
هل كان ليكون كل شيء مختلفاً لولا سنوات الحرب وأزماتها المتلاحقة «مصطنعة أم حقيقية»..؟!
وهل من السذاجة تخيل الحياة دون انتكاسات حروب أو أزمات..؟
أليست الحياة قائمة بالمجمل على مبدأ التناقض/التضاد.. وبالتالي لا فهم لمعنى وأهمية السلام إلا في ضوء دوائر النزاعات والحروب..؟
آمن فيتغنشتاين «أن الموت فقط من يعطي الحياة معناها».. الملاحظة التي دوّنها على دفتر احتفظ به أثناء الحرب التي عاشها حين خدم في جيش بلاده عام 1914، وليكتب في إحدى المرات التي كان يؤنب نفسه فيها من إحساسه بالخوف: «الخوف من الموت يأتي من نظرة خاطئة للحياة»..
ومع ذلك.. أليست كثرة الموت/الموات، تطمس أي إمكانية لعيش الحياة.. والإحساس بجمالياتها..؟
ندرك أن دائرة الحياة تتشابك في صراع ثنائيات مثل: «السلام، الحرب»، «الحب، الكره»، «التسامح، الانتقام».. إلى ما هنالك من ضديات تنجب زوابع الحركة اللازمة للاستمرار.. لكن متى ما طغى طرف على آخر فقدت الحياة توازنها منزاحةً إلى أقبية الظلام..
هل يمكن مقاومة الظلام بمجرد حلم..؟!
«أما أنا في المقابل، فكان نصيبي حلماً وحسب، مثل معظم البشرية».
lamisali25@yahoo.com
لميس علي
التاريخ: الخميس 10-1-2019
الرقم: 16881