ساعات حاسمة ومفصلية ولعلها كانت الأهم في تاريخ المملكة المتحدة حبست معها أنفاس البريطانيين وسط حال من الترقب والقلق , تلك التي سبقت التصويت في مجلس العموم على اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي تم التوصل إليه مؤخراً مع قادة التكتل , خاصة بعد الجدل الكبير والانقسام الذي أحدثه الاتفاق على المستوى الشعبي والحكومي في آن معاً .
ووسط خلافات حادة بين أنصار الاتفاق ومعارضيه صوت مجلس العموم البريطاني مساء أمس برفض صفقة مع الاتحاد الأوروبي حول خروج المملكة المتحدة من المنظمة.
وصوت 432 عضوا من المجلس، في جلسة عقدت أمس ضد المصادقة على الصفقة، فيما أيدها 202 آخرون.
وفي كلمة ألقتها بعد التصويت أكدت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، أن مجلس العموم قال كلمته والحكومة ستصغي إليها، إلا أنها اعتبرت أن هذا القرار لا يظهر أي شيء حول ما يدعمه البرلمان.
وشددت ماي على أنها لا تزال مصممة على ضمان انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكنها لا تريد الخروج من المنظمة من دون اتفاق.
وبعد التصويت أعلن زعيم حزب العمال المعارض البريطاني، جيريمي كوربين أنه طرح موضوع حجب الثقة عن حكومة تيريزا ماي للمناقشة.
وفي كلمة ألقاها بعد أن رفض أعضاء البرلمان بأغلبية الأصوات، صفقة «بريكست» المقدمة من حكومة ماي، قال كوربين: لقد فقدت هذه الحكومة ثقة هذا المجلس وهذا البلد، وقد طرحت موضوع حجب الثقة للمناقشة، مضيفا: «ويسرني أن هذا المقترح سيناقش يوم الغد «اليوم».
وكانت ماي قد دعت في كلمة لها قبيل التصويت مجلس العموم للموافقة على الصفقة، معتبرة أن المصادقة عليها ستعني المضي قدما في تحقيق إرادة شعب البلاد الذي صوت لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
وقالت ماي إن هذا القرار سيكون في حال اتخاذه تاريخيا وسيؤمن مستقبل المملكة المتحدة لأجيال عديدة، مشددة على أن إجراء أي استفتاء ثان حول موضوع بريكست سيؤدي إلى تعميق الانقسام في البلاد.
واعتبرت رئيسة الوزراء أن الصفقة التي توصلت إليها لندن وبروكسل بشأن بريكست ستعطي أساسا لإقامة علاقات اقتصادية غير مسبوقة لبريطانيا مع الاتحاد الأوروبي.
ولفتت إلى أنه لا يوجد أي بديل للصفقة الحالية ولا خيار آخر أمام مجلس العموم إلا التصويت لصالحها، قائلة إن الاتحاد الأوروبي لن يوافق على أي اتفاق آخر.
وعلى ضوء تلك المؤشرات في المشهد البريطاني , وكما توقع المراقبون , لم يمرر البرلمان اتفاق / بريكست / رغم التحذيرات المتكررة لرئيسة الوزراءالبريطانية من عواقب عدم تأييد الاتفاق , وهو ما يفتح الطريق أمام احتمالات تتراوح بين الانسحاب الفوضوي أو تغيير المسار والتراجع عن الانسحاب , ويضع مصير ملف / بريكست / في مأزق صعب قد يدخل البلاد في مرحلة المصير المجهول , وهو ما ستكون له تداعيات سلبية ليس على مستقبل رئيسة الوزراء تيريزا ماي فحسب , بل على مستقبل البلاد برمتها .
صحيفة صن كانت قد كشفت بالأمس أن ماي , رغم مواجهة الهزيمة ستجبر البرلمان على التصويت مرة أخرى على اتفاقها لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي .
وذكر تقرير الصحيفة أن حلفاء زعموا بأن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عرضت على ماي مساعدة في اللحظات الأخيرة بعد أن قالت أن الاتحاد الأوروبي قد يقدم مزيداً من التنازلات إذا رفض النواب اتفاق ماي، فيما أعلنت ميركل رفضها للتقرير , وقال متحدث باسم الحكومة الألمانية أمس بالعاصمة برلين إنه تم نقل محتوى مكالمة هاتفية لميركل مع ماي بشكل خاطئ من قبل الصحيفة.
وتشمل التنازلات اقناع رئيس وزراء أيرلندا ليو فارادكار بالموافقة على موعد نهائي للترتيب الخاص بأيرلندا, وهو بند يجبر بريطانيا على اتباع قواعد الاتحاد الأوروبي التجارية لحين إيجاد طريقة أفضل لتجنب فرض قواعد حدودية صارمة عبر جزيرة أيرلندا.
وأبلغ الاتحاد الأوروبي ماي أنه ملتزم بإيجاد سبل لتفادي تفعيل الترتيب الخاص بأيرلندا في اتفاق الانسحاب, وأن هذا الالتزام له ثقل قانوني .
وفي وقت سابق هذا الشهر تحدثت ماي مع رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر لتأمين تنازلات من بروكسل للمساعدة في تمرير اتفاقها عبر البرلمان كما تحدثت مع ميركل مرتين في الأسابيع الأخيرة.
وفي البحث عن أسباب الخروج , فإن بريطانيا التي تعد أحد الأعمدة الرئيسية في الاتحاد الأوروبي , وخامس اقتصاد عالمي ومركز أوروبا المالي وصاحبة النصيب الأكبر من الاستثمارات الأوروبية المباشرة , ورغم كل ما تحظى به من مكتسبات جلها أتت من عضويتها الأوروبية , إلا أن ذلك الشعور الدفين بالانفراد وعدم الانتماء لغير بلدهم يبقى لدى البريطانيين حتى أنهم يطلقون على أوروبا لقب قارة وكأنما هم يقطنون في قارة أخرى .
وعلاوة على ذلك فإن البريطانيين يتذمرون من الشعور بإملاءات خارجية تأتيهم من بروكسل , وكان الإحساس بفقدان السيادة مؤرقاً لهم حيث يبدون تحسساً كبيراً من التبعية لمظلة خارجية وقراراتها وشكل الاستفتاء الذي أجري في الـ 23 من حزيران/2016 / فرصة لهم للانعتاق من تلك المظلة وشعروا باستعادة السيطرة على قرارهم الذي رأوا أن أوروبا صادرته.
وتمسكت بريطانيا على الدوام بمسافة فاصلة بينها وبين باقي دول أوروبا إذ أنه حتى بعد انضمامها إلى اتحاد لم شمل القارة فإن هذا الانضمام جاء متأخراً بعد رفض أولي , وعندما أعلن عن تأسيس لبنة الاتحاد الأوروبي في عام 1957 كتكتل اقتصادي أحجمت بريطانيا عن الانضمام إليه ولم تعدل عن موقفها سوى في عام 1973 أي بعد 16 سنة , كما رفضت الانضمام إلى اتفاقية شنغن لحرية مرور الأشخاص والسلع عبر الحدود أو الوحدة النقدية الأوروبية /يورو / , علاوة على اتجاه استقلالي نسبياً في بعض ملفات السياسة الخارجية.
ولكن بعد مرور عامين ونصف العام على استفتاء الخروج وبعد إدراك البريطانيين لمخاطر وتداعيات هذا الخروج على حياتهم ورفاهيتهم فإن الغالبية العظمى منهم تعتقد أن القرار النهائي بشأن الخروج يجب أن يحدده الشعب وفقاً لأكبر استطلاع للرأي جرى حوله منذ استفتاء 2016 , حيث أظهر استطلاع أجراه مركز يوغوف قبل أسبوع وشمل 25 ألف بريطاني أن 53 بالمئة من الناخبين يفضلون إجراء استفتاءٍ ثانٍ , وأنه في حال إجرائه فإن البريطانيين سيؤيدون البقاء في الاتحاد الأوروبي بنسبة 54 بالمئة .
وكالات – الثورة
التاريخ: الأربعاء 16-1-2019
رقم العدد : 16886