ربما تستغربون أن نعود إلى عام 1934ونتحدث بما تحدث به صناع الفكر في ذلك الوقت وتقولون: نحن نريد عصرا نقفز فيه فوق هذا الواقع ونريد سهما يوصل إلى الهدف دون أخطاء لكن سلامة موسى يتحدث بطريقة أخرى ويقول في كتابه ماهي النهضة؟
ان المعنى من وراء تسمية عصر النهضة العربية بهذه التسمية: هي دمج كل المراحل التي نهضت بها اوروبا وهي تبدأ (في ايطاليا مرورا بالثورة الفرنسية والثورة الصناعية الانكليزية والفلسفة النقدية الألمانية وصولا الى ثورات المعلوماتية والعلمية والعولمة) لكن هل يصح أن نطلق التسمية فقط دون المرور بمراحل النهضة وثوراتها السابقة ؟
ويضيف موسى: ان عصر النهضة الاوروبية كان يتضمن تجاوز العصور الوسطى بما فيها من واقع سياسي واجتماعي وثقافي والعودة الى النبع اليوناني «اي الى العقل الانساني» والعودة من الفكر الغيبي الى الواقع البشري, وبالتالي يحلل موسى: على الانسان ان يبدع مؤسساته وان يغير من ادواته الطبيعية الى أدوات صنعية كنتيجة حتمية للثورة الصناعية,وكان طبيعيا ان يرافق ذلك قوانين ورؤى وأفكار وأجناس أدبية تعبر عن هذا العالم الجديد وهكذا أتى النثر القصصي الذي يصور الحياة اليومية بلغتها من رواية وقصة ومقالة ومسرحية وأتى التصوير الضوئي موثقا ومسجلا لهذه الحياة اليومية وأتت الشخصية الروائية الفردية بديلا عن الملحمة الجماعية اضافة الى السينما لتكون مرآة الانسان.
محاولات للنهضة العربية
توصل سلامة موسى الى ان الصراع مازال مستمرا في المجتمع والثقافة العربية مابين القديم والجديد, مابين القيم والمصالح التي تشد الى الوراء وبين ما يدفع الى الامام مع فارق ان النهضة الاوروبية كانت محكومة بديناميكيتها الداخلية بينما النهضة العربية كانت ومازالت محكومة بضغوط خارجية وعوائق داخلية, ومازالت النهضة العربية تتعثر لكنها مازالت مشروعا في القرن العشرين رغم الموجة السلفية التي انتشرت في سبعينات وثمانينات القرن الماضي وبدأت بالتراجع فكريا في أواخر التسعينات.
نقطة النهاية
مات سلامة موسى منذ عام 1958وبقي مشروع النهضة متعثرا وربما يوشك اليوم على الانهيار بعد عودة الفكر الذي لايلائم التطور والذي نتج عنه ثقافة لم تستطع اثبات الهوية النهضوية لأن الثقافة علوم وفنون وعادات وتقاليد يتأسس عليها مجتمع يتفق مع مبادئها وهي نتاج كل أشكال حركة المجتمع والاقتصاد لكن اليوم الثقافة غارقة بيم الفوضى وتعاني من مشاعر الخيبة والانكسار بعد احساس المثقف بخديعة أنه سيكون ضابط ايقاع الحضارة العربية التي ستنشأ رويدا رويدا لكنه لم يخرج حتى اللحظة من الصدمة التي أغلقت الباب على مجتمع كان يخرج للشمس مكتشفا فيما بعد أن ايقاع الثقافة لم يبدأ بعد.
ترك المفكرون رؤيتهم وترك سلامة نظرة تفاؤل رغم كل شئ قائلا:
التاريخ أفق واحتمالات وامكانات وإرادات قد تتحقق بطرق حلزونية ومتعرجة عبر خطوات وقد تبدو خطوات للوراء وقد تخفق ويخرج اللاعبون من التاريخ مهما كانوا شرفاء. ونبلاء وعريقين.
أيدا المولي
التاريخ: الجمعة 18-1-2019
الرقم: 16888