مُثقلون بهموم الحياة، يفتقدون للتدفئة والطعام والمسكن الصحي رُبّما هي تبعات الحرب وضريبة الأزمة، لكننا نمرّ بالقرب منهم ولا نلتفت إليهم رُبّما لأننا لانريد أن نُقنع أنفسنا بأنهم موجودون كي لا نبادر لمد يد العون لهم.
لا يمكنك أن تُحدّث هؤلاء عن التكافل الاجتماعي فمعظمهم لم يلمسوا شيئاً منه.
سعيد ابن الرابعة عشرة عام ليس له من اسمه نصيب، فهو يبيع ما تيسّر من القطع رخيصة الثمن فوق الأرصفة، يتعرّض للبرد والمطر ليحصد مبلغاً في آخر النهار لا يكفيه دواءً لوالدته أو طعاماً لأخوته الأربعة الصغار، فبعد وفاة والده كان لابدّ له أن ينهض بمسؤولية الرجال.
وعلى ذكر الرجال..يجلس رجلٌ تجاوز الستين من عمره قُرب أحد مواقف السيارات يبيع المحارم وبعض الأدوات البسيطة لزينة السيارات، تحدّث عن قصته راجياً عدم نشر صورته بملامحه كي لا تُسيء لابنه وقال لديه ابنتان متزوجتان إضافة لابن وحيد! وذكر أبوياسر أن ابنه تزوّج رغماً عن إرادة والده، وفعلت الزوجة فعلها وأثّرت على الابن، فقاطع والده وتركه فريسة العمل بالشوارع، أخذ أبو ياسر نفساً عميقاً موضحاً أنه في النهاية يبقى ابني الوحيد رغم كل شيء.
في عصر المساواة بين الجنسين، لابد أن يكون للأنثى نصيبٌ من الشقاء، وهو ما تجده لدى حليمة التي تركض باتجاه السيارات عند إحدى الإشارات المرورية بدمشق لتُقدّم للسائقين نوعاً سيئاً وتجارياً من ملطّف الجو بسعر زهيد، وبطبيعة الحال لا تملك حليمة ابنة العشر سنوات قدرة على التعبير لكنها بيّنت أن البيع يخلصها نوعاً ما من تهمة التسول، أمّا عن قصتها فاختصرتها بالقول أن أسرتها مُهجّرة فقدت منزلها وليس لدى الأسرة المكوّنة من ستة أفراد من ذوي الإعاقات الجسدية من مُعيل.
قد لاتكون الصورة العامّة بتلك السوداوية، لكن شريحة من المجتمع تقف اليوم على أعتاب عامٍ جديد، بلاثوبٍ جديد ولا أملٍ مديد، إلا اذا حلّ التكافل الاجتماعي مكان التجاهل الشخصي.
بطبيعة الحال لايدور الحديث هنا عن التسول، والذي يتّفق الجميع على رفضه بدءاً بوزارة الشؤون الاجتماعية وانتهاءً بالمواطنين، لكنها حالات إنسانية خاصة أفرزتها الحرب او ضاعفت من نسبتها.
المهندس أحمد بلال يقول أنه يتألم لمايراه لكن الحل ليس بيد الحكومة وحدها او الافراد ولابد من نشاط مجتمعي فاعل للأخذ بيد هذه الفئة الفقيرة.
على النقيض مما يراه بلال ترى ناديا حسن ان الظروف العامة صعبة على الجميع ولايمكن مساعدة هذه الشريحة على حساب غيرهم، وتقول أنهم يمتلكون نوعاً من العمل الذي يساعدهم .
أم احمد تروي معاناتها وهي تبيع القداحات وأنواعاً من العلكة وغير ذلك وتؤكد انا لست متسولة ولا أملك مالاً يسمح لي بامتلاك محل تجاري ولا أحمل شهادة لأحصل على وظيفة، لكنني لا أعمل باطمئنان كون عملي غير مرخّص وبضاعتي البسيطة معرضة للمصادرة، ناهيك عن تعامل البعض معي وكأنني متسولة والإهانات التي أتعرّض لها، ثم ابتسمت وقالت : بكل الأحوال كل عام وأنتم بخير.
عامٌ جديد يحمل آمالاً للكثيرين، لكنه لم يحمل قطعة ملابس في الشتاء لأصحاب الدخل (المهدود).
نيفين عيسى
التاريخ: الأثنين 21-1-2019
رقم العدد : 16890