لم يقدّر لاجتماع البحر الميت أن يمدّ الحلف المزمع بأسباب الحياة، على مبدأ فاقد الشيء لا يعطيه، لاعتبارات لا تتصل بالمكان فقط، بقدر ما ترتبط بالتطورات غير المحسومة في التحالفات التي تفترضها تلك الاجتماعات، حيث كان النقاش على مدى يومين كافياً فقط للخلاصة النهائية التي كانت الوحيدة المسكوت عنها في تلك الاجتماعات، وصولاً إلى المبررات والذرائع التي تقاطعت على سطح معادلات تبدو حمّالة أوجه، كما تحتمل التفسير المزدوج لتنتهي إلى خط رسائل متناقضة ومتضاربة.
ورغم محاولات إضفاء بعد تشاركي على الاجتماع السداسي، فإنه لم يكن قادراً على التجرد من الإضافات الحاضرة فيه رغم أنف المشاركين أو برضاهم، بدليل أن إسرائيل التي كانت خارجه بدت الأكثر حضوراً في مداولاته، وفي الحسابات التي تقتضيه مداورة الزوايا لفهم ردود الفعل عليها، وصولاً إلى المهام الوظيفية الموكلة إليها، حتى بدا الحلف المقترح يعيد ترتيب الأولويات فيه ليكون على المقاس الإسرائيلي، وإن كان نزولاً عند الطلب الأميركي.
المشهد لم يأخذ دوره في سياق المقاربة المنتظرة، ولا في النقاشات الحاضرة فحسب، بل أيضاً في المداولات التي فرضت بدورها الاستنتاجات التي تدفع إلى الجزم بأن ما يجري في نهاية المطاف محاولة لنقل المنطقة من قطوع الأدوات الطيِّعة إلى قطوع الأدوات المنفذة لاستراتيجيات ومخططات تبدو أكبر بكثير من قدرتها وطاقتها، حتى لو كانت إسرائيل حاضرة بكل أذرعها السياسية والعسكرية، ورغم وجود أميركا كقوة ضغط وتحريض في الآن ذاته.
فالمشادّة التي تجري اليوم بين أطراف الخلوة السداسية والتي تنتظر طبعتها الإسرائيلية، ليست على المحاصصة السياسية والعسكرية فحسب، بل على أجندات العمل التي تتطلبها الخطط الأميركية، في وقت تبرز فيه الخلافات داخل المؤسسة الأميركية على نحو ظاهر تضيف إلى المخاوف والهواجس -الخليجية تحديداً- الكثير من مشاهد الرعب، في حال صدقت التسريبات عن تطورات دراماتيكية تنتظر الإدارة الحالية على ضوء ما يشاع من نزاعات تتجاوز جديد الخلاف بين أركان الإدارة الأميركية وقوى الضغط والنفوذ التي تتحكم في نهاية المطاف بالتوجهات الأساسية للسياسة الأميركية غرباً وشرقاً.. شمالاً وجنوباً.
اللافت في تلك التسريبات.. الطلب الواضح من السعودية التمهل في المباشرة بالخطوات التنفيذية لأي مشروع قادم أو مهمة وظيفية تسند للحلف الناشئ، أو في الحد الأدنى فرملة الاندفاعات التي تبرز من هنا وهناك من أطرافه، والتخفيف من الحماسة في الاستجابة للطلبات الأميركية بهذا الخصوص، وإن كان الأمر لا يسري على ما تطلبه إسرائيل، باعتبار أن إسرائيل الثابت الوحيد في كل المتغيرات المتوقعة، سواء حدثت أم لم تحدث، وسواء نجح هذا الفريق في الداخل الأميركي أم كتب النجاح لذاك، فالحصيلة واحدة للفريقين.
ويبقى الهدف غير المعلن هو بيت القصيد، حيث التداول في القضايا لم يكن للتشاور حيالها، وهو ما يستدعي استنفاراً موازياً يدفع إلى المجاهرة بالأبعاد التي ينطوي عليها، خصوصاً البعد الإسرائيلي وظله الأميركي، ليكون الحلف العتيد ذراعاً يتفنن الأميركي والإسرائيلي في توكيله بالمهمات القذرة، التي باتت تشكل عبئاً سياسياً وإعلامياً سيطول الحديث عنه، بينما كلمة السر الأخيرة تبقى رهناً بالإشارة أميركياً، أو إذا اقتضى الأمر بالإيحاء إسرائيلياً، حيث تسقط العناوين وتتهاوى الشعارات، إذ إن من فقد قراره لا يمكنه النقاش في القادم، وفاقد الإرادة لا يمكن التعويل عليه..!!
a.ka667@yahoo.com
بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
التاريخ: الجمعة 1-2-2019
الرقم: 16899