رغم الهزائم المتكررة التي واجهتها الخطط والمشاريع الأميركية في العديد من المناطق في العالم، إلا أن الإرهاب الأميركي يزداد تورما مع تكريس إدارة ترامب كل جهودها اليوم لاستنساخ عصر أميركي جديد يعتمد على فائض القوة، للهيمنة على قرارات الشعوب والتحكم بمصائرها، حيث التهديد والوعيد، والحروب القذرة بمختلف أشكالها العسكرية والسياسية والاقتصادية تسيطر على العقلية العدوانية لساكني البيت الأبيض من المحافظين الجدد، من دون الاكتراث للأمن والاستقرار الدوليين المهددين بالسياسات الأميركية الهدامة.
في سورية التي تحطمت على صخرة صمودها مشاريع التقسيم الصهيو أميركي، يتمادى الأميركي في سياسة دعم الإرهاب، ويتعمد قتل المزيد من المدنيين بقذائف «تحالفه» سيء الصيت، بهدف تهجيرهم وترك الساحة لإرهابييه الدواعش الذي يزعم زورا وبهتانا محاربتهم، ويراوغ ذاك الأميركي بقرار انسحاب قواته المحتلة للتغطية على سيناريو عدواني جديد، ولا سيما أن مرتزقته من «النصرة» يستكملون عملية التحضير لهجوم كيميائي في إدلب، بإشراف أوروبي، لاتهام الجيش العربي السوري، ويعطي لأداته الأردوغانية الضوء الأخضر للتحضير لعدوان شرق الفرات، ويمهد أمامه كل السبل للتنصل من اتفاقه مع الجانب الروسي بشأن «خفض التصعيد» في إدلب، والأدهى أنه يجيد فن التلاعب بعقول مرتزقته من ميليشيات «قسد» التي هللت لتأييد مجلس الشيوخ الأميركي للتعديل الجديد الذي يعرقل قرار ترامب بسحب قواته المحتلة، وباتت تستجدي الحوار مع نظام أردوغان، بدل العودة إلى حضن الوطن، والوقوف في خندق الجيش لمواجهة أي قوات أجنبية غازية ومحتلة؟.
شبق الغطرسة المهيمنة على العقلية الأميركية، وصلت اليوم إلى حد تشريع الأبواب نحو سباق تسلح جديد من خلال الغرق أكثر في استراتيجية التنصل من الالتزامات بالمعاهدات والاتفاقات الدولية، بما يتوافق مع أطماع تاجر العقارات الأميركي، الذي توج نقضه للكثير من الاتفاقيات بالانسحاب من معاهدة الصواريخ الضامنة للتوازن الاستراتيجي مع الجانب الروسي، رغم كل الجهود التي بذلتها روسيا للحفاظ على المعاهدة، الأمر الذي يثبت أن تنصل الولايات المتحدة من الاتفاقات الدولية السابقة لا يعود للعيوب بتلك الاتفاقات كما زعم المسؤولون الأميركيون مراراً، وإنما بهدف دفع العالم نحو العسكرة، وإعادة تشكيل التحالفات والمحاور بما يخدم مصلحة الهيمنة الأميركية، بعدما بدأت تطفو على السطح ملامح تشكيل عالم جديد متعدد الأقطاب، أفرزتها الانتصارات الميدانية والسياسية للدول المناهضة للسياسة الأميركية.
الأميركي في حالة هيجان اليوم، وهذا ما تعكسه الصراعات الداخلية العاصفة بأركان البيت الأبيض، الأمر الذي يملي على إدارة ترامب تصدير تلك الأزمات بتصويب سهامها الإرهابية نحو الخارج، والعمل على إطالة أمد الأزمة في سورية مثال على ذلك، وما يجري في فنزويلا من محاولات مستميتة لاستهداف شعبها وقيادتها الشرعية يصب في المنحى ذاته، إضافة لتأجيج العداء ضد إيران، ووضع الخيار العسكري لمواجهة روسيا بزعم انتهاكها معاهدة الصواريخ، عدا عن التدخل السافر في شؤون العديد من الدول المستقلة، ونشر الفوضى والعنف في الكثير من دول العالم..ولكن هل تستطيع أميركا الاستمرار بعقلية غطرستها في ظل تنامي حركات المقاومة لدى الشعوب؟..المستقبل القريب يجيب عن ذلك.
كتب ناصر منذر
التاريخ: الأحد 3-2-2019
رقم العدد : 16899

التالي