عن سابقِ قسوة، تآكلتْ الحياة الحلوة.. انتفض القلب على هواها، وأعلن تمرُّده على أناها.. أزالَ صدأها وهو علّته، فأشرقتْ شمس محبّته.. أضاءَ حولها بها، علّها تصحو من حلمها.. حلم الأيام المتكوِّرة، على خيباتها المتكرِّرة.. المتكرِّرة والماضية، إلى تحولاتها الفانية..
عن سابقِ قهر، طُعنتْ ذاكرة السرِّ والجهر.. نزفت مفردات ذكرياتها، ولم تتوقف حكاياتها.. عن حميمية الأمس، ولحظات الدفءِ والأُنس.. عن هديلِ الأغنيات، وهطول الحبِّ حياة.. حياةُ دفءِ الأمومة، لوقتٍ جمَّدتنا هُمومه.
عن سابق اختناق، تداهمنا نوبةُ الفراق.. تجهشُ الروحُ على الغائب، وتذرفُ رفضها الصاخب.. الصاخبُ بصهيلِ هواه، لنبضٍ فيها أناه.. ترثيهِ بعيونِ الأحزان، وبوردٍ هو فوح الإنسان.. تصلّي لتتعافى من الشوقُ الذي يحنّ..
عن سابقِ إصرار، أنكرنا الحاضرُ الغدار. أشاحَ عن إنسانيَّتنا، فادلهمَّ الضميرُ في حياتنا.. أمكنتنا امتلأت بالخواء، والموت ووجعُ الابتلاء.. بأنينٍ يعلو بجنون، في زمنِ ليسَ بحنونْ.. زمنُ الأحقادِ وما أقبح من يجرح فيه أو يذبح..
عن سابقِ عشقٍ، لُفحَ هوانا في العمق.. عمقُ ما فينا ومنه، ناصعهُ يحكي عنه.. عن اخضرارِ حقيقتنا، وجذورُ عطاءِ سوريَّتنا.. جذورٌ ارتوتْ بدماء، صارت قامات إباء.. قامات الحقِّ وينادي: سأعلو فيكِ يا بلادي.. سأعلو وصدايَ كبير، والكونُ بأمري سيصير.. سيصيرُ عدلاً، حتى وإن رغماً.. عن الضميرِ الميّت فيه، أو فلنلقِ الرحمة عليه.. عن أخلاقه الواقعة، سُحقاً إنها راكعة.. عن أناهُ المتورِّمة، بخبائثهِ المتنعِّمة.. عن غوغاءِ وعيه، ما أعماه سعيه.. ما أعماهُ وسننيرْ، ما فينا ونتركهُ ضرير.. لهُ عدمُ العدم.. ولنا نِعمُ الألم..
هفاف ميهوب
التاريخ: الأربعاء 6-2-2019
رقم العدد : 16903
السابق