عندما نعيش في الزمن الذي يحيطنا بكل بشاعات وأحقادِ ونفاق وإجرام العالم، يكون أخطر ما علينا الاستعداد لمواجهته، الـ «حروب ملثّمة». تلك التي يشعلها قوَّاد الفضاءِ الأنجاس، ممن هم بلا ضمير أو أخلاق أو إحساس، ولأنهم يسعونَ لإغراقِ حياتنا وأماننا ووطننا، بكلِّ ما يجعلنا نعيش الحياة بترقباتٍ ملغَّمة.
إنه ما نعيشه بعد أن حاصرتنا أحقاد أصحاب المحطات الظالمة والمتصهينة. أيضاً، من انقادوا لأهدافهم ومخططاتهم وحاملي الأفكار والمعتقدات المُظلمة والنتنة. نوايا الموغلين في هيمنتهم الإجرامية، ومعتقدات الخونة والمأجورين والرعاع المنفصلين عن كل القيم والأخلاق والمعاني الإنسانية.
حتماً، هو ما أدركه كلِّ من تابع تفاصيل الحرب التي استهدفت وطننا السوري. كلِّ من تابع جميع وسائل الإعلام المضلل والمحرّض، ولاسيما الفضائي والإلكتروني.. الوسائل التي سارع إعلامنا لكشفِ كذبها ونفاقها في بثِّ ما أريد منه، ذرُّ الرماد في عيون عالمٍ، لا يُراد لرؤيته إلا أن تكون ضبابية أو بعيونٍ لا ترى إلا العماءَ والصورة غير الحقيقية.
نعم، هو ماسارعت وسائل إعلامنا لكشف كذبه ونفاقه، ولكشفِ حقيقة «الحروب الملثمة» وسؤال كل من لاتزال ماهية أسلحة هذه الحروب لديه مبهمة: «هل تعتقد أن آلات الحروب، هي الأسلحة فقط؟.. إليك السلاح الأقذر في التاريخ».
سؤالٌ، رغم أن جميع وسائل إعلامنا لم تتوقف عن تكرارهِ، إلا أنها لاتزال تذكِّر به، وهو مافعلته «سورية دراما» عبر برنامجٍ وإن لم يكن فيه تعليق أو تقديم، إلا أنه أكّد بأن الصمت قد يكون أحياناً، أقوى وأشدُّ تأثيراً إن رافق حقائقَ تعري ضوضاء الكلام الذي دُسَّت فيه سموم إعلام المتآمرين.
لقطات سريعة معنونة بفكرة ومضمونها نكرة.. فكرة كـ «التهيئة» ونكرة، في «حديث الإعلام المحرِّض وباستمرار، عن إمكانية حدوث الأزمة قبل وقوعها».
فكرة مثل «نظرية الأجندة» ونكرة في قيامها بجعل «الخبر السوري على رأس قائمة الأخبار ولسنواتٍ، والمصدر وهمي يجسِّده «شاهد عيان» كاذب وجبان.
أيضاً، الفكرة «طائفية» والنكرة في سعي المحرِّض لانتشارها، لـ «تضمين شريط الرسائل النصية sms المرسلة من الجمهور والاتصالات، كلمات طائفية بدعوى عدم إمكانية مراقبتها».
كل هذا عبارة عن نظريات حبَّذا لو توسَّع البرنامج بتناول مضمونها والتوسع فيه أكثر، ولأنها نظريات مدروسة للتأثير فكرياً على متابعها، ومنها أيضاً «لولب الصمت» و»المعايير المزدوجة» و»زرع التناقض». حيث تقوم الأولى بـ «تضمين التغطيات التلفزيونية كلمات تهديد، لجعل من يخالف الرأي يتَّخذ موقف الصمت» والثانية تشير إلى أن «الإرهابي في بلدٍ ما، قد يكون ثائراً في بلدٍ آخر». أما الثالثة، فنرى فيها ما التمسناه على مدى الحرب التي شُنَّت علينا، وبأن «نفس الجهات التي تموّل القنوات المتشدِّدة، تموِّل قنوات تروج للثقافة الأميركية المتحررة».
أيضاً، ولمن يغفل عن ارتباكات وتخبطات تلك الفضائيات، عليه أن يتذكر قيامها بـ «البث المتناقض» الذي جعل «القنوات التي تروِّج للمتشدِّدين تُظهر مذيعات متحررات جداً. طبعاً حسب معاييرهم»، إضافة إلى سعيها لـ «صنع المصداقية الوهمية» وكذلك «التأثير الكمي» وبتكرار المشهد الموجّه، مع «انتقاء متعمَّد لحدث يركّز أصحابها عليه، ويبرر نظرياتهم».
هذا وغيره، تابعناه في البرنامج الثري بمعلوماته والفقير بلحظاته.. «حروب ملثمة» الذي وإن كانت مدّة عرضه قصيرة ولاتكفي متابعتنا، إلا أنها حملت من العناوين الخاطفة ما تلمَّسناه على مدى معاناتنا. معاناتنا مع إعلام المتآمرين وأتباعهم، ومع «حارس البوابة» الذي ما ختمَ البرنامج به، إلا ليذكِّرنا بأنه الآمر دوماً بـ «منع أي خبر ينافي سياستهم». الآمر والدافع لجعلنا في حالة يقينٍ معرفي دائم، بأن الحرب الإعلامية لم تنته، لا هي ولا أدواتها التي ستبقى تتطور وتتغوَّل، بتطورِ صنَّاعها وقوادها وفضاءاتها وتغولّهم.
هفاف ميهوب
التاريخ: الاثنين 25-2-2019
رقم العدد : 16917