كاتب وملحن ومخرج مسرحي للأطفال والكبار, وعضو اتحاد الكتاب العرب -جمعية أدب الأطفال وعضو نقابة الفنانين ممثل ومخرج.. إنه محمد بري العواني كان لنا وقفة معه للتعرف على مسيرته الإبداعية:
• توجهت للطفل في أعمالك ماذا أضفت برأيك لمسرح الطفل؟ وهل تركت بصمة ترضيك؟
•• أنا معلم مدرسة- مربٍّ- قبل أن أكون مدرساً للغة العربية عشتُ مع الأطفال حوالي عشر سنوات، وعملت معهم على انجاز عروض مسرحية قصيرة، وأنجزنا أغاني ورقصات كثيرة.
ثم إنني اتبعت عام 1980 دورة في الإخراج المسرحي لصالح وزارة التربية السورية, وفي عام 1981 تسلمت إدارة المسرح الشبيبي المدرسي. لكن النقلة المهمة في حياتي كانت حين تسلمت رئاسة مكتب المسرح والموسيقا والفنون الشعبية في فرع الطلائع في حمص, وأنجزت أكثر من خمسة وعشرين عرضا مسرحيا بين تأليف وتلحين وإخراج على مدى سبعة وعشرين عاما، حيث كان الممثلون في هذه العروض جميعا من الأطفال.
أما ماذا أضفت إلى مسرح الأطفال فَاعتقد بأنني تمكنت من ضبط كتابة النص المسرحي الغنائي (الدرامي), وإضافة الدرامي إلى توصيفي يعني بصراحة أن النصوص التي كانت سائدة هي مجرد نصوص حوارية شعرية، أو نصوص خالية من الغناء، ثم يقوم بعض الشعراء بكتابة الأغنيات, وهذا يعني أيضا أن نصي المسرحيَّ صار نصا أدبيا مكتمل الأركان، ولم يكن نصا أبيضَ بشخصياته وأفعاله وصراعاته كما كانت النصوص الأخرى، وبالتالي كان نصي ملوناً فيه الأبيض والأسود وقد اجتمعا في الشخصية الواحدة, ولهذا صارت لي بصمتي الخاصة في الكتابة المسرحية الموجهة إلى الأطفال، ما دعا فرق ومخرجي مسارح الأطفال في الوطن العربي إلى تقديم نصوصي كما جرى في البحرين والإمارات العربية المتحدة وأخيرا في العراق وفي جامعة بابل بالتحديد على مسرح كلية التربية الفنية للبنات.
أما البصمة الأخرى فتتركز في أنني عملت مع الأطفال وللأطفال، وهذا أصعب من العمل للكبار, لكنْ لابدَّ من القول: لم يكن هدفي أنْ أقدم مسرحاً فقط بل كان الهدف تربيةَ الأطفال على تذوق الفنون وممارستها وقد تحقق الكثير من حلمي هذا.
• ما سبب توجهك لهذا الفن وهو من أصعب الفنون؟
•• قلتُ في إجابتي السابقة: إنني معلم أولًا, ولأن عالم الطفولة يوحي بكثير من الأفكار والأحلام والأمنيات، أما أنه صعب فهذا قول عادي؛ لأنَّ كل فن وعلم صعب، غير أن اجتهادنا وممارستنا وتراكم خبراتنا تجعل من هذ الفنِّ أو العلم سهلًا.
لكنني أعترف بأن المجهول في عالم الطفل أكثر بكثير من مجهول عالم الكبار. ولهذا كنت أمارس الكثير من توقعاتي وحُدوسي المستندة إلى معرفتي النظرية بالتربية وعلم نفس الطفل في أثناء العمل المباشر مع الأطفال في المسرح.
• عملت في الاخراج المسرحي للكبار والصغار فما سبب توجهك له هل هو شغف بهذا الفن؟
•• العمل مخرجاً كان ضرورة أيضا, فالعمل مع الأطفال يحتاج إلى قائد يقود الفريق، وكذلك الأمر مع الكبار من جهة أخرى فقد كنتُ ممثِّلًا جيدا في حمص على الأقل. لكنَّ عقلي التحليلي التركيبي مال إلى فن الإخراج بثقة، خاصة وأنني أفكرُّ بالصورة المتحركة أكثر من التفكير بالكلمة, وهذا ما تعلمته من قراءاتي ومعرفتي وثقافتي المسرحية النظرية والعملية, بل وهذا ما تعلمته وطورته من خلال عملي مع الأطفال الذين يميلون بطبائعهم إلى التعبير بالحركة والإيماء والرمز، ولا يميلون إلَّا قليلًا إلى الكلام المنطوق, الأمر الذي جعل مسرحهم مسرح لعب, مسرح إيهام, مسرح تبادل الأدوار, وهذه عظمة مسرح الأطفال.
• كيف ترى المسرح الآن وما رؤيتك لتطويره؟
•• المسرح بخير رغم صيحات بعض المعترضين احتجاجا على رداءة العرض المسرحي, أو اتجاهات التجارب المسرحية الحديثة إلى التجريب والتجريب المتطرف، ما أدخل المسرح في الغموض والإبهام, إضافة إلى دعاوى موت المؤلف المسرحي, وموت المدارس المسرحية التقليدية التي تعتمد اللغة أداة للتوصيل والتواصل, لكن عروض المسرح السوري اليوم قد حرفت نفسها في العموم عن تناول المشكلات الوطنية والقومية والإنسانية لصالح تحليل الذات الفردية التي كثيرا ما تكون مريضة, وهذا ما أدخل المسرح في سراديب الغموض والخصوصية الفردية!!!
أمَّا تطوير المسرح فإنني أعتقد بأن المسرح السوري كإبداع فنٌّ متطوِّرٌ تقنيا وشكليا، بدليل حصوله على جوائز عربية وعالمية. ولكن المشكلة تكمن في ضعف رعاية الدولة له كمؤسسة ذات خصوصية في التفكير والتعبير؛ كونه بطبيعته تعبيرا عن قضايا ومشكلات المجتمع العربي السوري الراهنة.
من جهة أخرى فإن طبيعة المسرح الاجتماعية منذ الولادة تستدعي معها حرية التفكير والتعبير. وأيٌّ كبت لهذه الحرية يجعل المسرح ضعيفا فكرياـ ويجعل تأثيره غير فعَّال, فإذا نقلنا هذه القضية إلى مسارح المحافظات لوجدنا المشكلة فظيعة, إذا لابد وأن تمر الفرقة المسرحية في دهاليز الموافقات الأمنية التي تعرقل النشاط المسرحي، بل وكثيرا ما تلاشت فرق مسرحية معتبرة بسبب بيروقراطية الحصول على التراخيص المطلوبة.
من جهة أخرى ليس في سورية حركة مسرح خاصة جادة كما في أوروبا، تدعم فرق القطاع الحكومي وتعزز عمل فرق المحافظات الأخرى. ولهذا يمكن القول: إذا أردنا ان نفعِّل أثر المسرح في الحياة الاجتماعية السورية فيجب أن نعزز حضور هذه الفرق وأن نعفيَها من الرقابة الأمنية الصارمة، ومن التراخيص المعقدة، ومن انتظار الموافقات وغيرُ ذلك كثير. ولابد من تعميم المسارح القومية المدعومة من المركز في المحافظات الأخرى.
سلوى ديب
التاريخ: الخميس 28-2-2019
الرقم: 16920