باهظة.. لكنها فارغة..
سريعة.. وبذات الوقت آنية ولحظية..
هي ملامح مقتنياتنا العصرية.. وآخر سمات إكسسوارات زمننا الحالي بما فيه من تكنولوجيا، بلمح البصر تنهض بك صوب هدفك.. وتعود لتقذفك في حمم استهلاكها المضني الغائصين به رغماً عن أصل وعي ندعي التسلح به.
في كتاب (الحب عن بُعد، أنماط حياتية في عصر العولمة)، في إحدى فقراته يناقش المؤلفان (أولريش بك وإليزابيث بك- غرينزهايم) ويستنتجان: في عصرنا «تتم قولبة الحب والرعاية، وتحويلهما إلى مجرد (سلعة)»..
وتحديداً هذا ما يحدث لنا نتيجة إدماننا على سبل التواصل الحديثة.. معتقدين أننا نقبض في أجهزتنا اللوحية على إمكانية إذابة البعد وتسهيل استجلاب «الآخر» الكائن على مسافة لا تبعد سوى بضع «تاتشات» سحرية.
إنها زراعة «الوهم» ما تتقنه تكنولوجيا هذا العصر..
وبينما نجعل تلك «الإمكانية» في التواصل.. طي ذاكرة «الموبايل»، نغرق أكثر ونغوص في إقصاء «الآخر» ليس لأجل أي شيء سوى لأننا أصبحنا أسرى «الوهم»..
الوهم بأننا نمتلكه دون أي زمن فاصل لكن لا يخلو من بعض اللمسات على شاشاتنا الملساء الذكية.
يبدو أن مفهوم «الحياة عديمة التواصل دون أجهزة ذكية» يوشك على التشكّل والتخلّق لصالح الانزياح ولو قليلاً لتسييد «الصلات العابرة» والعلاقات الغامضة الناجمة بالضرورة عن نوع من الاتصال اللحظي العابر والغامض.. الذي أنجب ما يطلق عليه «الحب النائي» بدلاً عن «الحب الداني».. والأسرة المعولمة بدلاً عن الأسرة الحميمية.
في إحدى مقالاتها التي كتبتها حنا أرندت لاحظت أن الأجيال السابقة كافة كانت ترى في «الإنسانية» نموذجاً مثالياً ومبدأ فلسفياً وحلماً راود أصحاب النزعة الإنسانية لكنها كمفهوم صارت تعكس واقعاً ملحاً.. بل صارت (ضرورة ملحّة لأن تأثير الغرب لم يتسرب إلى بقية العالم مع منتجات تطوره التكنولوجي فحسب، بل إن الغرب صدّر إلى بقية العالم «سيرورات التفكك»)..
ومنذ زمن أرندت وملاحظتها، تطورت سيرورات التفكك تلك، وتحوّلت إلى سيرورات «اغتراب» وسيرورات «وهم» يتباهون بصناعته وتصديره.. وفق أوجه جديدة من الـ(نيو ميديا).
رؤيـــــــة
لميس علي
lamisali25@yahoo.com

السابق
التالي