لم تكن المرة الأولى التي تمارس فيها الولايات المتحدة الأميركية غطرستها وإن جاءت عبر قنواتها الخلفية -ومنها الكونغرس- بصيغة أقرب إلى بالون اختبار لقراءة ردة الفعل بخصوص الجولان العربي السوري المحتل، فقد سبق لها أن طرحت ذلك في اللقاءات الضيقة والموسعة ومن خلال الغرف المغلقة والمفتوحة، لرسم إحداثيات مشهد جديد في واقع المنطقة، أساسه إشباع الأطماع الإسرائيلية.
فالمنطقة ليست بحاجة إلى عوامل إضافية من التوتر والعدوانية، حتى يأتي السيناتور الأميركي ليندسي غراهام ليصب الزيت على النار، في موقف لا نستبعد منه البعد الانتخابي وإرهاصات العلاقة القائمة على إرضاء إسرائيل من حقوق الآخرين، وعلى حسابهم، وبصفاقة سياسية غير مسبوقة عكست الواقع المزري لصانعي السياسة الأميركية.
الجولان لم يرتبط مصيره يوماً بقرار أميركي، ولا بأهواء سيناتور متطرف، ولا هو وقف على ترهات يحاول فيها الأميركي أن يصرف فائض القوة بالهيمنة، لفرض ما لا حق له، ولا يمكن أن يكون بأي حال، حيث الفارق هنا ليس في المفارقة القانونية والأخلاقية فحسب، بل أيضاً بالسياق السياسي الذي سيكون عاجزاً عن تغيير الحقيقة.
لكن المعضلة لا تقف عند حدود المستوى السياسي وحاصلها الانتخابي، وإنما تمتد لتشمل أبعاداً أكثر خطورة في ظل وضع سياسي متهالك، دفعت المنطقة على مدى قرابة العقد من الزمن ثمناً باهظاً لمشاريع الهيمنة والعدوانية كانت تكلفتها تفوق طاقة المنطقة على تحملها، وفي وقت وتوقيت يراد منهما التعويض أو التغطية على الفشل الذي مني به المشروع الإرهابي وإرهاصاته الملحقة.
فالمسألة الجوهرية أن الولايات المتحدة نفسها وافقت على قرارات دولية، تعترف بالسيادة السورية على الجولان السوري المحتل، وتطالب إسرائيل بالانسحاب منه، وكانت قد عارضت على مدى العقود الماضية أي طرح يتعلق بتغيير هذا الواقع، وهو ما يدفع إلى التساؤل عن الأسباب الخفية التي تقف خلف هذه المحاولة؟
في الاستنتاج، القضية تتعلق بحسابات الداخل الأميركي عبر المزايدة المتورمة على الإدارة الأميركية نفسها، كما هي مرتبطة بالوضع الانتخابي الإسرائيلي، وغايته الأساسية مد نتنياهو بأسباب البقاء في السلطة، بعد أن لاحقته الفضائح وقضايا الفساد والرشوة، وهو ما قد يعينه على تجاوز الاستعصاءات والخروج من عنق الزجاجة مؤقتاً، بينما الوقائع تنحو باتجاه توظيف فائض الهيمنة الأميركية وفرض إرادتها على شعوب المنطقة.
العبث الأميركي في مسلمات المنطقة لعبٌ بالنار وانزلاقٌ إلى حافة الهاوية، وفي بعض تجلياته انزلاق داخلها، مع كل ما يحمله من تداعيات لا يمكن التكهن بنتائجها، خصوصاً مع تبلور مجموعة من الأطماع المستجدة التي تمثل التحدي الأخطر في المنطقة، في ظل إصرار أميركي على تعميم الخراب والفوضى، انطلاقاً من بقايا مشاريعها ونتف مخططاتها.
الجولان في عين الغطرسة وفي قلب الهيمنة.. أرض سورية ليست للتفاوض ولا للابتزاز، ولا تصلح معها المساومة أو التفكير في الطرح، حيث كل ما يقوم به الكونغرس الأميركي إرضاء للوبيات الضغط الصهيوني، لا يغير في الحقيقة التاريخية الثابتة، أن الجولان جزء من الأرض السورية، والاحتلال القائم سيزول كما زال من قبله الاحتلال الذي سبقه، وكما سيزول الاحتلال الأميركي والتركي وغيرهما عن كل بقعة في سورية، فالسوريون لن تعييهم الحيلة ولا الوسيلة ولا الأداة لاسترجاع كل شبر وذرة تراب.
a.ka667@yahoo.com
الافتتاحية بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
التاريخ: الأربعاء 13-3-2019
الرقم: 16930