فجرا وفي نومها لبست ثوبها الأبيض الحريري وجلست وسط مرج أخضر تملؤه زهور ملونة، وفتحت كتابا مقدسا بدأت تقرأ: ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) .
استيقظت وجلة ونظرت حولها لتتفقد المكان فإذا هي بسريرها الخشبي كالعادة، أسرعت ونظرت من نافذة غرفتها واستقر نظرها إلى نهاية الأرض الموقع تقريبا ذاته وبعض الأزهار البرية تشبه ما حلمت به، تمتمت ببعض ما تحفظه من كلمات بأن يحفظ الله أبناءها المنتشرين في الجغرافيا السورية وجميع من معهم ويؤدي مهمتهم وعادت لعملها المعتاد كل يوم، لكن قلبها بقي مقبوضاً إلى أن حل المساء وتجمع أفراد العائلة، رن الهاتف الأرضي رد الأب بنبرة قوة ربما يكون أحد أولاده الأبطال فيحدثهم كالعادة بقوة ليعطيهم القوة والثقة بالنصر مهما كبرت الشدائد، وبعد هنيهة غص صوت الأب وقال: إبراهيم الحمد لله رب العالمين.
عندها أدركت الأم ما رأته أمس، بدأ صراخ الأخوات يعلو لكن الأم وقفت شامخة وقالت: لا أريد سماع صوت إحداكن فقدر أخيكم إبراهيم أن يكون بطلا ويرفع رؤوسنا عالياً.
وفي الصباح الباكر رأى الأهل والجيران أم إبراهيم في زاوية الأرض وسط الزهور البرية ترسم بيدها فوق الأرض ملامح البيت الأبدي لابنها البطل، وكما حددت تماماً أكمل البقية عملهم، إلى أن وصل الجثمان الطاهر، أذهلت الأم الجمع كله بزغرودتها القوية وحملها لنعش ابنها إلى أن أوصلته إلى بيته الأبدي كما تقول.
هنا زرعته وبعدها زرعت جميع الزهور الملونة التي رأتها يوما، ومن حينها لليوم، وفي كل يوم جمعة تستيقظ الحارة على رائحة بخور أم إبراهيم وقامتها الممشوقة وهي تلقي تحية الصباح وتخبره عن بطولات أخويه في درعا والغوطة وحمص وحماة لابنها البطل قائلة له : نم قرير العين يا ولدي لأن ما ضحيت من أجله قد تحقق، ها هو وطننا الغالي بدأ يتعافى ويخطو خطا النصر وحكايات بطولاتكم التي خطت طرق النصر على كل لسان وفي كل موقع.
كبر الزهر وكبرت شجيرات الورد والغار عند أقدام إبراهيم وتحول قبره إلى جنة صغيرة ومزار لكل شاب شريف يريد أن يقرأ معاني الشرف والعزة والكرامة.
طرطوس – سمر رقية
التاريخ: الخميس 21-3-2019
رقم العدد : 16937