الملحق الثقافي..نبوغ أسعد
هذه المجموعة القصصية الشائقة بانسياب رشيق من الكاتب محمد الحفري.. تعالج قضايا اجتماعية هامة مشغول عليها ببراعة القص المتكامل والحبكة الدرامية والسياق المتميز وعبارات أقرب ما تكون شاعرية.. إلى جانب الترابط البنيوي للنص المبتكر والدال على اهتمام وثقافة للكاتب الذي جعل للروح حدائق تضم فيها ما يبهر العين وينعش النفس كما تضم الموت والكآبة والانقباض واليأس.
كما نرى فالكاتب في بعض قصص مجموعته يستخدم لغة الأنا في سرد حكائياته التي ربما تصل إلى ما بعد احتضار ليصف لنا المشاعر الإنسانية ومعاناتها مع الأرواح الشريرة.. التي تغذت من نار الحقد والكراهية والغيرة والحسد بسبب تفشي الجهل وتغطية النقص في النفوس المريضة تتواجد هذه الشريحة كثيراً في مجتمعاتنا والمجتمعات الأخرى ففي قصة أخي قتلني.. يقوم الأخ بقتل أخيه المحامي في نفس الوقت الذي يتوفى فيه والده والذي كان باعتقاده أنه يميز أخاه عنه لأنه درس محامياً.. فتأكله نار الحقد والغيرة ويتخلص من أخيه إلى الأبد طمعاً بحصته بالإرث وانتقاماً من والده الذي كان يفضله عليه.
وأيضاً في قصة أنا هنا أنا هناك، تشير باهتمام بالغ لموضوع الأخطاء الطبية التي تحدث بكثرة وعدم المبالاة بحياة الآخرين والتي تعتبر جريمة عظمى بحق الإنسانية.. فالضمير عندما يموت تموت معه كل القيم ويتحول الأمل الى سراب في قلب بطل القصة الذي ينتظر ساعة موته التي رسمها الطبيب بحماقة.
أما في قصة صايل التي تظهر رد المعروف بالغدر، تصل بوحشية بعض البشر إلى حد القتل للوصول لمآرب دنيئة خطط لها الشاب الذي كان يصارع الموت في البراري فأنقذه صايل وسهر معه الليالي حتى شفيت جراحه وقويت بنيته ليبادر برد المعرف بقتل صايل الرجل الطيب، بالاتفاق مع الزوجة الشابة ليكون الغدر مضاعفاً.
أما باقي قصص المجموعة.. فهي عبارة عن قضايا اجتماعية إنسانية مشحونة بالهم والوجع، والحزن والفجيعة، والخيبة والظلم.. التقطها الكاتب بعين الحقيقة من شارع الحدث من دون تحديد للزمان والمكان إلا بالشيء اليسير وكأنها حدثت للتو على مسرح الحياة الغامضة والمثيرة للجدل، والتي تتلاعب بمصائر هذه الشخوص وتشكلهم على هواها دون اعتبار للمشاعر والأحاسيس.. فتارة تملؤهم بالضحك والبكاء، الأفراح والأتراح.. لتقبض على مصائرهم بكل قوى الشر.
المجموعة بكل ما تحتويه من أسقف وأبواب وجدران ونوافذ تلتزم بكل الركائز كي لا ينهار البناء وهذا ما يشير إليه الكاتب كي يكون صرحاً متيناً غير قابل للانهيار.
التاريخ: الثلاثاء26-3-2019
رقم العدد : 16940