مؤتمر لجنة الشؤون العامة الأميركية – الإسرائيلية «أيباك» السنوي الذي عُقد 24 آذار الجاري بواشنطن ولثلاثة أيام، وسط حضور وصل إلى 18 ألف مُشارك، ومُقاطعة مَحدودة من الحزب الديمقراطي، انبرت نانسي بيلوسي للتقليل من أهميتها وللدفاع عن موقف حزبها، كان من بين أهم ما مَيَّز مَحاور النقاش المُكثفة فيه: اختراعُ حالة انقسام أميركية حول دعم إسرائيل، وتَسجيل ادّعاء كاذب بتراجع تأييدها.
مُحاولة تركيز المؤتمر على طرح الانقسامات الأميركية المَزعومة، والسجالات الشكلية الدائرة حول العلاقة مع إسرائيل، هي استثمارٌ حيوي فيها، لا لأنها حقيقية وجوهرية وخطيرة، بل لإثبات حالة حيوية أخرى يُراد بها تَثبيت حالة ذاتية تؤكد أن المؤتمر لم يَبلغ الشيخوخة، فضلاً عن تأكيد أنّ اللجنة التي صار عمرها 68 سنة ما زالت فاعلة مُؤثرة، تُقرر، تُخطط، تُجيد الاستثمار بالسياسة الأميركية وتَوظيفها، وتَلعب باحتراف على مَظلومية لا أساس لها لجهة زعم تَراجع التأييد لإسرائيل بذرائعية لا هدف لها سوى مُمارسة أقصى حالات الابتزاز.
ذرائعية النقاش حول تراجع التأييد الأميركي «الحزبان الجمهوري والديمقراطي» لإسرائيل، لا تَعكس أي حالة واقعية ولا أي حالة تَقترب من الواقع، بدليل أنّ ما تَحقق بين مُؤتمري أيباك 2018 و 2019 لم يَتحقق للكيان الصهيوني خلال العقود الماضية مُجتمعة، نُشير هنا إلى حماقتي دونالد ترامب بشأن القدس والجولان، وإلى عدم اعتراض الديمقراطيين على أي منهما، وهو ما يُؤكد كذب ادعاء مَظلومية إسرائيل لناحية تراجع التأييد لها.
بنيامين نتنياهو الذي قطعَ زيارته لواشنطن، واضطر للمشاركة بأعمال مؤتمر أيباك عبر دائرة فيديو بالأقمار الصناعية، ذهب بكلمته لأقصى حدود الاتهام بغرض التحفيز والابتزاز: «إنّ مُحاولات الفصل بين أميركا وإسرائيل، ستَفشل»، وهو ما تَلقفته نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب لتَنطلق منه بالدفاع عن حزبها، رداً على الجمهوريين، وتأكيداً لنتنياهو على حالة الانصهار مع كيانه التي عبَّرت عنها بالقول: «أن تكون مُعادياً للسامية، مَعناه أن تكون مُعادياً لأميركا»!.
أخطر ما انطوى عليه هذا النقاش، ذرائعيته المُبتدعة لتحقيق غايات أخرى تَستكمل – ما حصلت عليه – وما تريده إسرائيل من أميركا، على قاعدة منع النقاش وليس السِّجال حول حماقتي ترامب بشأن القدس والجولان، ومن بعد التَّثبيت والتَّثبُت الانطلاق للخطوات التالية، ضم الضفة وإسقاط صفة الاحتلال عنها بالخطاب الأميركي والتقارير الرسمية على نحو ما جرى بتقرير الخارجية الأميركية الأخير حول الجولان السوري المحتل، ولاحقاً ربما مزارع شبعا وكفرشوبا، قبل الشروع بخطوة بناء الهيكل المزعوم.
نقاشات أيباك، أجواؤه، دائماً كانت تُشير إلى ما سيَحدث، حيث تُرسم المَسارات هناك وتَتَحدد الأولويات التي تَلتزم بها السياسة الأميركية، ويُنفذها البيت الأبيض ديمقراطية كانت الإدارة أم جمهورية، إذ ليس صحيحاً أبداً أن ثمة فرقا يمكن رَصده يميز أداء هذه الإدارة عن تلك، وبالتالي فإن أهم حصيلة لمُؤتمرات أيباك هي أنها تَجعل التنافس والتسابق بين الجمهوريين والديمقراطيين بخَطب وده، وبخدمة إسرائيل تنافساً حاداً وتسابقاً مَحموماً، يَقطف الكيان الصهيوني ثماره دائماً.
الذرائعية في أيباك أنتجت مع إدارة ترامب حتى الآن ثلاث حماقات: الانقلابُ على الاتفاق النووي الإيراني، الاعترافُ بالقدس المُحتلة عاصمة للكيان الصهيوني، والاعترافُ بالسيادة الصهيونية على الجولان السوري المُحتل، وقد تُنتج لاحقاً حماقات كُبرى لا تقل خطورة، لكنها ستُسهم بتعميق عُزلة الولايات المتحدة بما يؤدي لانحسار دورها ولضرب هيبتها بالصميم.
نَتحدث هنا عن انتصار سورية على المشروع الصهيو – أميركي، نَتحدث عن دور لإيران يَتعاظم وقوّة لها تَنمو ولا يمكن تجاهلها، نَتحدث عن قطبية أميركية أحادية ستَصير قريباً من الماضي مع تَسارع نمو الصين وصعود روسيا، ولن نَتحدث عن التعثر في فنزويلا وكوريا وأوكرانيا .. نعم يَفعل أيباك فعله، وتَندفع واشنطن لمُلاقاة ما تُحذر منه مراكز أبحاثها، وقد كان آخر ما وَثقته عن حماقة ترامب بشأن جَولاننا: خطوة استفزازية بلا أي قيمة، لكن بتداعيات ستَتجاوز حدود المنطقة!.
معاً على الطريق
علي نصر الله
التاريخ: الخميس 28-3-2019
رقم العدد : 16942