أصبحت تربطنا علاقة خاصة بالأفكار الخفيفة, الطريفة, المشاهد القصيرة.. حتى هذه الخفة نقرأها بملل, وكأن ذهننا لم يعد بمقدوره الاستعانة بأي بعد ثقافي مهما كان سهلاً.
سابقا العمق الفكري.. كنا نذهب إليه, في المكتبات, في الأوراق الصفراء العتيقة.. في المسرح.. السينما.. أيا كان مكانه لايهم.. نذهب طواعية, كنا نمضي أوقاتاً طويلة في المكتبة.. وحين نخرج منها محملين بزاد فكري, نشعر أننا نكاد نطير, نشعر بامتلاء حقيقي..
لم نكن نتوقف عن حد كلما التهمنا فكرة, نقول: ماالتالي..؟ ماذا بعد..؟
لانعرف الهدوء الفكري, لانركن على حال..
كانت تمضي اوقاتنا وكلما امتلأنا فكريا نشعر بمتعة لاحدود لها.. نتقلب بين حال وأخرى, ننتقل بين الفنون جميعها ونخشى اعتناق فكرة, نتقلب بين الافكار جميعها.. خوفا من القولبة والنمطية..
أياً كان الفعل الذي نعيشه أو الحدث الذي يشدنا.. كنا نفلسفه, نتمعن في معطياته وملامحه, ونتعمق في جذوره بحثا عن أبعاد جديدة قد لانكتشفها سوى بعد مران فكري, وحوارات لاتنتهي, حتى وإن ابتعدنا عن تلك الجلسات الإعتيادية, التي لم تكن تشغلنا الشاشات فيها بعد..!
الحالات النقدية والجدل الفلسفي الذي كنا نعتنقه, كان يجعل وعينا في تصاعد مستمر, لم يكن وعياً فردياً, بل وعي جمعي, يتعب كل بمفرده على صقله, ومرانه العملي.. ولايهتز في أول عراك واقعي..
وعي لايفرط بحقه, أوحتى يفكر بالمهادنة.. متمسك به حتى الرمق الأخير.. أياً كان هذا الحق, وعلى أي مستوى..
اليوم.. وعبر شاشات لاتفارق أيدينا, سواء أكانت كبيرة أم صغيرة.. نغرق في بؤر تقدم مشهدية مخيبة للآمال لشدة سطحيتها, وتمييعها لكل ما يمت للفكر والفلسفة والنقد بصلة..
هي أفكار متناثرة هنا وهناك.. تستحوذ علينا تدريجيا وتنقلنا معها شيئا فشيئا إلى راهنية فكرية, تبدو للوهلة الاولى عفوية, تمتلك ملامح شخصية.. ولكن كلما أغلقنا شاشاتنا الفردية, وانطلقنا إلى أبعاد فكرية فلسفية او نقدية.. باتت اليوم مهملة نكتشف اي مدى الهوة بين ما نعيشه وعشناه.. هوة اكثر ما نخشى انها لن تردم أيدا..!
سعاد زاهر
soadzz@yahoo.com
التاريخ: الأثنين 1-4-2019
رقم العدد : 16945